TOP

جريدة المدى > عام > "حصار آمرلي".. فكرة الإرهاب في الدرس التعليمي

"حصار آمرلي".. فكرة الإرهاب في الدرس التعليمي

نشر في: 26 يوليو, 2016: 12:01 ص

عرف مسرحنا العراقي تقاليد راسخة في تقديم رؤى اخراجية تعالج قضايانا الاجتماعية والسياسة من منظور ابداعي، وعلى مستويات اكاديمية رصينة. ومن مظاهر تجربتنا المسرحية، ان تتصدر الجهود الفنية لاساتذة الفن، من مؤلفين ومخرجين وتقنيين ونقاد وباحثين، الواجهة الم

عرف مسرحنا العراقي تقاليد راسخة في تقديم رؤى اخراجية تعالج قضايانا الاجتماعية والسياسة من منظور ابداعي، وعلى مستويات اكاديمية رصينة. ومن مظاهر تجربتنا المسرحية، ان تتصدر الجهود الفنية لاساتذة الفن، من مؤلفين ومخرجين وتقنيين ونقاد وباحثين، الواجهة المهمة القيادية للحراك الجاد على المستوى العام في اكتشاف مسرحنا الوطني، للمنجزات العالمية والانفتاح عليها، وأقلمتها على وفق حاجاتنا الثقافية والروحية، وما نصبوا الى تحقيقه في مسرحنا العربي من آفاق تفاعلية مدروسة مع العالم، كما كان ديدن اساتذتنا الرواد يفعلونه في كلية او معهد الفنون الجميلة منذ التأسيس في اربعينات القرن المنصرم.
اليوم، يحاول معهد الفنون ان يعيد علاقته العضوية المسرحية مع الاحداث الوطنية وعلى رأسها تحديات الارهاب وما يبثه من اخطار تقلق حياة الناس، وتحاصر مصائرهم ومصادر عيشهم، وكل ذلك من خلال دروس المعهد التطبيقية.
اراد التدريسي (جمال الشاطي) الذي عرفناه ممثلاً مبدعاً في تجارب فنية، مسرحية وتلفزيونية واذاعية كثيرة، ان يقترح لنفسه تجربة اخراجية جديدة تتعلق بموقف ابناء (آمرلي) المحاصرة من قبل الارهابيين وما بذلوه من بطولات للدفاع عن مدينتهم بروح معنوية عالية وبمشاعر محتدمة ومواقف شجاعة مشرفة.
اعتمد العرض على مفردات بسيطة، شحيحة، تتجانس مع هدفه التحريضي- التعبوي بلغة قريبة من هموم الناس البسطاء، إذ يجد المتفرج أمامه على خشبة المسرح موضعاً دفاعياً يتحوط بأكياس بيضاء، وصفراء، وسوداء، من رمال، متراصفة بخط مستقيم، وفي الصالة وزع مثلها على يمين المتفرج، ويساره.
تحت نفثات الدخان، وقوس الضوء، على السايك الخلفي، يظهر مقاتلان، هما يصوران لنا حالة الحرب التي تلفهما، هو يشمخ لوحده والثاني يكتب على منضدته، وبمثل وميض الضوء تتسرب مؤثرات موسيقية، مغربة، بطيئة، ثم يتجه المقاتلان الى الساتر، ليصوّبا سلاحيهما باتجاه العدو، الذي يفترضه الاخراج خارج منطقة الرؤية البصرية، وتنتقل الاضاءة (صممها احمد السوداني)، من اللون الاحمر الى الازرق، لنرى الممثلين (طه المشهداني، ونظير جواد)، وهما يغنيان اغنية: (غريبة الروح) بروح فكهة، وبتحدٍ واضح للعدو، وهما يحتميان بموضعهما الذي صممه (علي السوداني). ولتعميق الروح المعنوية العالية يتظاهر أحدهما بأنه قد أصيب بطلق ناري، لكن سرعان ما يبدو أنه يمزح مع زميله.يرافق المقاتل الصوت الذي يعبّر عن مدوناته على الورق، وهو يخبرنا كيف ان سقوط الصاروخ، الذي اطلقه الارهابيون، الذي هدم بيته، وبيت جاره، جعلهم يتوحدون بالحرب، بعد ان لم يوحدهم السلام!.المذكرات ترصد يوميات حصار مدينة آمرلي، وتستمر اغنية تتحدث عن مرور سنين من الصبر، وتتحدث عن لواعج الحنين، واشواق المحبين، المقاتل يؤدي صلاته ويدعو الله ان يتحول ظلام الارض، الى سلام على مدينة آمرلي. ويخبرنا المقاتل الثاني بأن هناك دولا جندت بأكملها، من اجل قتلنا، حتى لا يصل الموت الى مدنهم القصية.يحدث فجأة، ان يقطع المقاتل الثاني حواره، ويتحاور مع واحد من المتفرجين، وهو في حالة من الاستغراب، فهو لم يسمع من قبل بأن يخطاب المتفرج، الممثل، اثناء العرض!.
ويشعر بالحرج، ويستمر السجال، عن المحاصرة، والتهديد، ولكنه يطلب من السادة الحضور الاستمتاع بالوقت، ويخبرنا بأن من قاتلونا بالأمس، هم قتلة اليوم (ساهم باعداد النص عمر مصلح) مع المخرج.
ثم نتعرف على أنهم قد ابعدوه عن بيته ما يقارب من عقود ثلاثة، ثم ينتقل المشهد، الى المقاتل الذي يرجو من زميله الانتباه الى قلمه بمثل انتباهه الى بندقيته. وهنا يأتي خبر جدته العجوز، التي داهمتها فلول المرتزقة، لتقود ابناء القرية الى منطقة القتل الجماعي، لينزف الجميع بلون احمر! يوحدهم.
تتعاضد الموسيقى والمؤثرات (للفنان الطالب عقيل)، مع تحولات الاضاءة، التي تنبعث من حامل اضاءة ينتصب في جانب من القاعة، بشكل مكثف ومتقطع.
بغرائبية الموسيقى، تصيب طلقة طائشة، المقاتل، ليُقتل، ويسقط على الأرض، وتتناثر اوراق المذكرات، لكنه يتذكر وصية رفيق سلاحه، فيتأبطها ثانية، ويكدسها على منضدة الكتابة، ليواصل التوثيق.
يصرخ ملتاعاً لقتل شريكه في الدفاع عن الوطن، وهو يخاطبه: هل تمضي يا ابا علي هكذا دون زغرودة؟. ايها العاشق العنيد.
وبنقلة حلمية، نرى الشهيد يظهر من المكان نفسه الذي ظهر فيه لأول مرة، وهو متلفع بالبيضاء، وفوقه قوس ضوئي. ويطلب منه ان يكمل مذكراته، ويؤكد الثاني على شجاعته لكنه يخبره بأنه الآن قد مات! وما على رفيق دربه، سوى تدوين المذكرات ليعرف الناس جميعاً، ما جرى في مدينة آمرلي.
تستمر القذائف، وضجيج سرفات الدبابات بالتصاعد وهو يعلن، بأنهم، سيدخلون المدينة بأرتال.
اراد المخرج والمعد، التأكيد على انفتاح الموضع العسكري على الصالة، للترميز على تلاحم جبهة القتال مع حاضر المدينة، بلا حدود قائمة بينهما، في بيئة تتوحد فيها البندقية مع القلم الذي يدوّن يوميات دموية، بمثل توحد المقاتلين وهما من طائفتين مختلفتين، هما الآن متكاملان، مثلما محت القذيفة الجدار الحاجز بين بيتيهما، ليكتشفا هشاشته، امام التحديات المصيرية التي جلبها الارهاب الى حياتهم الوادعة ويؤكدا على محبة الآخر المختلف في الطائفة، لكنه المنتمي، الى أرضية واحدة، ليتوحدا في هوية وطنية عميقة صادقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram