بين زمن الميمونة وزمن الشرقاط سالت دماء كثيرة وما زالت تجري. أحداث الميمونة، محافظة ميسان، كانت الحد الفاصل بين شيخنا محمد مهدي الجواهري وزعيمنا الأوحد عبدالكريم قاسم.
كتبت مقالاً في مجلة عربية، قبل نحو عقدين من الزمن، أشرت فيه إلى أن سلطة الشاعر انتصرت على سلطة الزعيم، عندما خاطب الجواهري قاسم بقوله: أتحداك، يا سيادة الزعيم! تعرضت تظاهرة في ناحية الميمونة، ميسان، إلى إطلاق الرصاص في زمن الزعيم مما دفع الجواهري إلى كتابة مقاله الافتتاحي في صحيفته "الأهالي" بعنوان "ماذا يجري في الميمونة" ليكون المقال أول حقيبة منفى يشدها الجواهري نحو الغربة، بعد دفاعه عن بنات الميمونة بقوله: إنهن بناتك يا سيادة الزعيم!.اليوم، ليست بناتنا في الشرقاط، وحدهن، يتعرضن للترويع والحصار والجوع، بل بنات الموصل كلهن، ومعهن أطفال وشيوخ ومرضى..عطش وجوع وتيه وغموض مستقبل، رغم تاريخ الموصل المضيء، حضارة وأدباً وكفاحاً وأحلاماً. الحرب لا تنتقي أهدافها بتلك الدقة للأسف.
الرصاصة التي تصيب القلب لا يعني أنها ترأف بالعينين.
الحصار العسكري لا يستثني أحداً، ومن استطاع إلى الهرب سبيلاً ترك خلفه الآلاف في أشد حالات الجزع والوجع واليأس في فوضى الحرب والإغاثة وبيروقراطية الفاسدين. الشرقاط بضعة من العراق تشهد نزوحاً كبيراً، قبيل معركة تحريرها من "داعش" يعني الموصل وضواحيها، يا نوري المالكي، منطقة منكوبة منذ سلمتها للإرهابيين وحتى تحريرها الموعود. تقول التقارير ان ثمة مليوني نازح من الموصل وضواحيها !أن تعد لحرب تحرير، يا حيدر العبادي، عليك أن تعد لاستقبال نازحين. مثل الشرقاط ثمة كارثة في عامرية الفلوجة تحت حرارة ٥١ مئوية أيها القائد العام للقوات المسلحة. أين ذهبت أكثر من ملياري دولار من مؤتمر المانحين؟؟
وزراؤك ونوابك وبرلمانيوك عصابات محترفة في سرقة أموال الإغاثة والإعانة الدولية، والفلوس تدخل في حسابات الحرامية. تخيل أحفادك، يا دولة رئيس الوزراء، بلا حليب. وسط العنف والبيروقراطية والفساد والجشع تصل لقمة الفقراء حتى الصحون الطائرة لكنها لا تصل صحونهم. كنت شرعت بكتابة قصيدة عن ألم جريء ففشلت، حتى وجدتني أدوّن ألماً لا تقوى على تحمله قصيدة "عريضة المنكبين قوية الشكيمة" يا دولة رئيس الوزراء، فالجحيم بلاد أنت تقودها والبلاد جحيم أنت تقوده وأحمّلك حتى مسؤولية أن يشوى أهلي في العراق بدرجة تجاوزت الخمسين في المئة.
لو زرعت شجرة واحدة، يا دولة الرئيس، لغفرت لك جريمة أن يموت شيخ بسبب حرارة الطقس. شجرة واحدة مقابل حياة جدّي.
إزرع مئة شجرة، أنت وحمايتك، لتنخفض حرارة الطقس ولو واحد بالمليار دولار مئوي.تحمل دولتنا من السلاح أكثر بكثير مما تزرع الأشجار. أقايضك وأقاضيك لأنك اختزلتني إلى عرضحالچي وأنا الشاعر. في المستوى العالي لدرجة الألم لا يتبقى للقصيدة من منزع. ما لنا والشعر عندما تتحول اللغة إلى أدنى ما يطلقه مواطن لا تراه ولا تعرفه، يا دولة الرئيس، وهو في أقصى طاقته اللغوية التي لا تكفي حتى لقولة "آخ". أرثي لحالك، أكنت سعيداً أم حزيناً جرّاءَ ما يجري تحت سلطتك وأمام عينيك. بل أعجب أنك تُمارس مهامك الحكومية في جميع الظروف والأحوال، مهما كان جهاز التبريد في مكتبك أو بيتك على غاية التبريد والبرودة. أربعون طفلاً في انفجار الكرادة. سعر كيس التمن في الشرقاط ١٥٠ ألف دينار، وفي حديثة، بلغ سعره نحو نصف مليون دينار!كم أنتم سعداء، إذن، أيها الشرقاطيون! ثمة محنة أقل من محنة رغم أن المِحنة واحدة. ثمن سعادتكم هو ثلاثمئة وخمسون ألف دينار.. ما أسعدكم!
بنات الموصل والشرقاط وعامرية الفلوجة هنّ بناتك، يا دولة رئيس الوزراء.
ماذا يجري في الميمونة..ماذا يجري في الشرقاط؟
[post-views]
نشر في: 25 يوليو, 2016: 09:01 م