-1-كثيرا ما يتعرض السياسيّون الى عواصف عاتية، ومآزق محرجة، ومواقف صعبة، ويَخلعُ عليهم المرتابون منهم أبشع الصفات وأقبح السمات ...ومن أبرز الأوصاف التي تُلصق بهم:المراوغة واصطناع الكذب والحيل والترحيب بكل ما يخدم مصالحهم وأهدافهم وانْ لم يكن مطابقا لم
-1-
كثيرا ما يتعرض السياسيّون الى عواصف عاتية، ومآزق محرجة، ومواقف صعبة، ويَخلعُ عليهم المرتابون منهم أبشع الصفات وأقبح السمات ...
ومن أبرز الأوصاف التي تُلصق بهم:
المراوغة واصطناع الكذب والحيل والترحيب بكل ما يخدم مصالحهم وأهدافهم وانْ لم يكن مطابقا لمقتضى الأعراف والموازين..!!
ولعل أبلغ الأوصاف للسياسيين المحترفين هو أنهم " عبيد الدنيا " يلهثون وراء المكاسب والامتيازات، ولا يتحرجون من تجاوز الكثير من المحظورات ..!!
-2-
ان مساراتهم الطويلة في دروب السياسية ودهاليزها حافلة بالعجائب والمفارقات التي لا يكشف عنها الغطاء في معظم الأحيان ...
ولكن السياسي الفَطِن هو الأقل وقوعاً في الافخاخ المنصوبة لاصطياده .
وتقوده فطنتهُ الى النجاة من التورّط في ما لا تحمد عقباه .
-3-
وقد قرأت مؤخرا قصة تشير الى فطنة الوزير الراحل الدكتور ضياء جعفر وبها استطاع ان يدفع الغائلة عن نفسه وعن السياسيين العراقيين جميعا .
والسؤال الآن :
ما هي القصة ؟
ومتى وقعت ؟
وماهي تفاصيلها ؟
-4-
ونسوق اليك القصة كما وردت في كتاب ألّفه الاستاذ حيدر فاروق السامرائي ونال به درجة الماجستير وقد طبعته له دار الحكمة في لندن جاء في الكتاب ص 205 :
" كان الملك فيصل الثاني وخاله عبد الاله ونوري السعيد والأمير زيد وتحسين قدري رئيس البلاط الملكي فضلاً عن ضياء جعفر في زيارة رسمية لبريطانيا .
وأثناء تواجدهم هناك تمت دعوة الوفد العراقي من قبل رئيس الوزراء البريطاني أنتوني ايدن لحفل عشاء على شرف الملك فيصل .
وأثناء حفلات العشاء تلك وصل الى رئيس الوزراء البريطاني خبر تأميم قناة السويس من قبل الحكومة المصرية .
اذ يذكر ايدن في مذكراته أنه أبلغ الحضور بهذا الخبر ،
مدعيّا " ان المسؤولين العراقيين حثّوا بريطانيا على مقابلة هذا الحدث بعزيمة وإصرار "
وما كتبه انطوني ايدن في مذكراته - التي ترجمها محمود حسن ابراهيم وطبعت في القاهرة من قبل دار القاهرة للطباعة والنشر – لم يكن صحيحا على الاطلاق .
وكانت محاولة خبيثة منه لاظهار السياسيين العراقيين في موقف مساند للعدوان الثلاثي على مصر إثر تأميم قناة السويس عام 1956
وهنا تبرز فطنة الدكتور ضياء جعفر الذي سجّل شهادته على تلك الحادثة في ورقة محفوظة في ملفه التقاعدي وأشهد عليها (تحسين قدري) بصفة حاضر الحدث وابنه (جعفراً )
وقد أكد د. ضياء جعفر في هذه الورقة:
انه كان من بين الحضور لتلك الحفلة ،
وانه اثناء الحفل وصلت ورقة صغيرة الى رئيس الوزراء البريطاني وضعها في جيبه ثم استدعى ضياء جعفر الى غرفة اخرى بحجة القاء نظرة على سجّادة كانت في تلك الغرفة .
وبعد ان اختلى به أَخْبَرَهُ انّ الورقة التي وَصَلَتْهُ فيها خَبَرُ قيام الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس،
وطلب منه إخبار الحضور من العراقيين بذلك الخبر .
والانصراف (اي مغادرة ايدن ) للحفل لانه سيعقد اجتماعا عاجلاً مع الوزراء البريطانيين .
وقد انتهى الحفل بعد أن اخبر ضياء جعفر الوفد العراقي برغبة رئيس الوزراء البريطاني .
أقول :
انّ فطنة الدكتور ضياء جعفر ومعرفته العميقة بمسالك دُهاة السياسيين أمثال (ايدن)، جعله يحسب الحساب سلفاً لما قد يكتبه (ايدن)عمّا دار بينه وبين الوفد العراقي ، فعمد الى تسجيل ما جرى في تلك الحفلة وتوثيقه وأحبط محاولة (ايدن) في التزييف وبقيت هذه الورقة ناطقة بالحقيقة .
وهذه الورقة (الصغيرة) كتبها صاحب فطنة (كبيرة) نزّهت السياسيين العراقيين عن تهمة وقوفهم مع الاستعمار والصهيونية ضد أشقائهم المصريين .
صحيح انّ النظام الملكي البائد كان سلبيا في مواقفه من الرئيس المصري الراحل عبد الناصر، ولكنه لم يكن سلبياً في مواقفه من الشعب المصري الشقيق .
وعلى سياسي الصدفة المعاصرين ان يكونوا في منتهى الحذر من الاساءة الى اي شعب من شعوب العالم فضلاً عن أشقائهم حينما يصبون جام غضبهم على حكّام معينين ابتُليت بهم شعوبهم قبل أنْ نُبتلى بهم..!!