هناك ما يسمىبـ عناصر الانتاج والتي إن امتزجت مع بعضها فان ذلك يخلق انتاجاً للسلع والخدمات، وبالتالي يخلق رفاهية للمجتمعات. هذه العوامل هي : 1-الطبيعة أو الارض2- رأس المال 3- العمل الانساني ولا تتساوى درجة أهمية أي عنصر مع عنصر آخر بشكل مي
هناك ما يسمى
بـ عناصر الانتاج والتي إن امتزجت مع بعضها فان ذلك يخلق انتاجاً للسلع والخدمات، وبالتالي يخلق رفاهية للمجتمعات. هذه العوامل هي :
1-الطبيعة أو الارض
2- رأس المال
3- العمل الانساني
ولا تتساوى درجة أهمية أي عنصر مع عنصر آخر بشكل ميكانيكي، فذلك يعتمد على طبيعة النشاط ، فمثلا يبرز دور الارض والعمل الانساني في النشاط الزراعي، بينما تنخفض اهمية الارض في الانتاج التجاري و الخدمي.وكذلك فان رأس المال تتغير تركيبته بين رأس مال ثابت ورأسمال متغير اعتمادا على نوعية الصناعة ففي السلة المعمرة مثلا، اي التي يكون عمرها الانتاجي اكثر من سنة فان رأس المال الثابت اكبر من رأس المال المتغير. وهذا المزج بين عناصر الانتاج هو من تخصص الادارة ولكن جرت الاشارة له هنا من أجل توضيح الصورة اللاحقة .
أتمنى ان يكون هذا المدخل الشديد الاختصار كافٍ كمدخل لما سأقدمه عن ترابط وثيق بين التعليم والنمو الاقتصادي. وقبل الدخول في جوهر الموضوع لابد من التأكيد انني لا اقصد بالتعليم عدد الخريجين فهذا ليس له معنى اطلاقا . فالتعليم الذي يهدف الى ملء عقل الطالب بكم هائل من المعلومات دون الربط بينها، وبين أن يمرّن الطالب على ربط المعلومة وايجاد الحلول للمشاكل التي تواجهه يجعل من الخريج مجرد " بنك لمعلومات الاستاذ " وهو خطر قاتل لمستقبل الخريج والبلد . ( لربما نعود الى هذا الموضوع في القادم ).
بعد الحرب العالمية الثانية والتطورات الهائلة في الصناعة والعلوم والتكنولوجيا، وما تلا ذلك من تطور هائل في مجال صناعة المعلومات، ازداد دور العامل الثالث من عناصر الانتاج، اي دور العنصر البشري، وبالاخص العمل الفكري، على حساب العمل العضلي. لا بل ان، وللفترة لما بعد الثمانينيات من القرن الماضي، كل التطور الهائل منصب على تطوير البرمجيات بأسرع وأعمق من تطوير (الهارد ). اعتقد اكتفي بهذا القدر المختصر كمقدمة لما وددت الاشارة اليه .
من واقع الحال هذا فان ارتفاع المستوى التعليمي للشباب في اي بلد سيؤدي الى ارتفاع المنافع لعموم البلد وذلك عبر ايجاد فرص عمل للشباب المتعلم والمدرب جيدا بشكل أسرع من الشباب المتعلم تعليما متوسطاً ومن غير المتعلم. كما ان العمل يخلق قيماً مضافة ملموسة وغير ملموسة. وايضا فان الناشط اقتصاديا سيساهم في رفد الاقتصاد عبر الضرائب على الدخل، كما وانه يقلص الأعباء على اقتصاد المعونات التي تدفع للعاطلين عن العمل . وهنا، وبايجاز شديد لتوصيف التعليم الجيد: هو الذي يُخرّج خالقي الوظائف وليس الباحثين عن العمل. وهذا الجانب الاخير سهلته ثورة المعلومات ومن الامثلة ستيف جوبز و بيل كيتس، فهم شخصان لم يمتلكا رؤوس اموال تقليدية بل عقول، وغيرهم. فيمكن لأي متعلم تعليماً جيداً في مجال البرمجيات خلق دخل له فقط عبر امتلاكه كومبيوتر وانترنت فيصمم مواقع مثلا.... الخ. ومثال اخر، فان الشاب السنغافوري الذي اخترع فايرس I love you قبل سنوات كان لا يمتلك سوى (لاب توب) وانترنت ولكن عقلا تعليميا جيدا لا يستند على الحفظ والترديد ولا يخاف من الخطأ لأن الخطأ هو فعل بشري .
من الواقع : ما درجة ارتباط تطور العنصر البشري بالتطور الاقتصادي ؟
في هذا المجال سأتناول ثلاث دول كأمثله هي الصين والهند و سنغافورة او ما سمي بالنمور الاسيوية. فهل هي نمور حقا، وان كانت كذلك ما سر ذلك ؟
طبعا هناك دول اخرى سميت بالنمور، لكني فضلت اختيار هذه الدول لاسباب ترتبط وتدعم ما وددت قوله بان هناك ترابطا قويا بين التعليم والنمو الاقتصادي .
الدول الثلاث اهتمت بالتعليم الحديث، ومن جهة اخرى ادخلت الآلات شديدة التطور في مجالات الاقتصاد وبالاخص في الصناعة، لكن الهند والصين أهملت الجانب الزراعي، بمعنى اهملت تطوير العنصر البشري العامل في المجال الزراعي واكتفت بادخال المكننة العالية التطور في الانتاج الزراعي، مما أدى الى عدم تكافؤ التطور بين العنصر البشري والماكنة، فاصبحت المكائن عبئاً على الانتاج الزراعي، مما أدى الى ارتفاع الانتاج الزراعي . وفي 1999 بدأت مؤشرات الازمة او الركود الاقتصادي في هذين البلدين، الهند والصين، الى ان وصلنا الى الركود الاقتصادي العالمي لما بعد 2008 فانخفض الطلب العالمي على السلع الصناعية المنتجة في هذين البلدين وفي نفس الوقت تراكم اثقال تلكؤ الانتاج الزراعي مما أدى الى ان يمر هذان البلدان بركود اقتصادي .
من تجربة هذين البلدين المتميزة بعدم تكافؤ التطور الانساني او البشري عبر التعليم وبين ادخال الماكنة عالية التطور والمستند على مبدأ تبين خطأه لاحقا ان "الماكنة تقوم بكل شيء" ، أثبت ان هذا المبدأ ناقص ان لم نقل خاطئ .
في سنغافورة حوّلت المؤسسات التعليمية الى مؤسسات تنتج المعرفة، وهذا أدى الى تطوير العنصر البشري، الى جانب إدخال الماكنة عالية التطور ولكن " المسيّر " لها يتمتع بامكانيات تعليمية عالية مواكبة لمستوى التطور فاصبحت سنغافورة احد اكبر البلدان في العالم والتي تصدر البرامجيات على شكل ألعاب الكترونية، يقوم بها شباب متعلم من الجيل الحديث .
لن اذهب بعيدا ان استنتجت بان التعليم الجيد يخدم الاقتصاد من ناحية قلة العاطلين عن العمل وبالتالي تتقلص المعونات الاجتماعية وتوجه الى مجالات اخرى . كما وان العمل او الناشط الاقتصادي سينتج دخلا يضاف الى مجموع دخول مواطنيه ويساهم في دفع الضرائب مما يوفر وفرةً مالية تستخدمها الدولة لتقديم الخدمات .
التعليم عندنا يتحاج الى " ثورة " في الاسلوب والمنهج والاهداف من اجل بناء وطن عصري.