لم تهدأ حتى اللحظة الزوبعة التي أثارها طرح قانون مجلس النواب قبل أُسبوعين، وكان لـ(المدى) السبق في الكشف عن خطورة مضامينه.
للأسف فإن العامل التسقيطي طغى على موجة الانتقادات اللاذعة التي وُجّهت لبنود المسودة المقترحة. فالكثير ممن كتب على صفحات الفيسبوك أو الصحف استخدم هذا التشريع المثير للجدل مناسبة لزعزعة الثقة بالبرلمان وإضعاف دوره، الذي لم يرتق بالتأكيد لحجم التحديات التي تواجه العراق.
وإذا كان الانفعال مبرراً مقبولاً للانتقادات التي يسوقها المواطن العادي، الذي يفرّغ غِلّه وسخطه بـ"بوست" أو "تغريدة" على السوشيال ميديا، فإن انخراط "النخبة" في موجة السخط العاطفي أمر في غاية الغرابة والخطورة.
ومكمن الخطورة يتأتّى من تعريض شرعية البرلمان، بوصفه مركز النظام الديمقراطي، لمزيد من التآكل والتقويض، لا سيما بعد الضربتين الموجعتين اللتين تلقاهما في نيسان الماضي، بإقالة هيئة رئاسته، على يد النواب المعتصمين، واقتحام مبناه من قبل جمهور غاضب.
وبالرغم من كلّ الملاحظات التي يبديها الجميع حول طبيعة أداء البرلمان، إلّا أنّ ذلك لا ينبغي أنْ يصل إلى مرحلة تسقيط البرلمان تمهيداً لإسقاطه بالمرّة ، لأنّ البديل سيكون انقلابات دموية تؤدي الى فوضى تبدأ بالسحل وقد لا تنتهي حتى بعودة الدكتاتورية.
ومن هنا كان مبعث المخاوف والانتقادات التي أثارتها عملية اقتحام مبنى مجلس النواب، لأنها ببساطة كانت موجهّة بالاتجاه الخاطئ، واستخدمها طرف سياسي، بوعي أو بدونه، للضغط على خصومه كما تبيَّن لاحقاً.
وبطبيعة الحال، فلستُ في مقام المدافع عن هكذا برلمان نعرف كيف يُنتخب نوابه، وكيف تُوزّع المناصب داخل كواليسه، وكيف يتقاسم الكبار دوائر القرار فيه، وكيف تتبانى جميع أطرافه على المضي في مسار الفشل الذي تعيشه الدولة.
لكنْ بالمقابل، هل يمكن إنكار حقيقة أنّ هذا البرلمان والبرلمانات التي سبقته، يحمل جيناتنا الثقافية والسياسية؟ وهل يمكن إنكار اشتراكنا في صناعة هكذا مؤسسة اخترنا أعضاءها بفعل انحيازاتنا المذهبية والحزبية والعشائرية؟!
كيف نستنكر ارتشاء بعض النواب، ونحن لا نمتنع عن هذا الفعل لتمشية مصالحنا وأُمورنا اليومية؟ ولماذا نستكثر على برلماني البحث عن منافعه الشخصية، ونحن شعب غارق بالأنانية والنفعية حتى أُذنيه؟ ولماذا نعتب على خيانة ممثلينا لمصالحنا ونحن تركناهم بلا حسيب ولا رقيب؟!
لستُ في وارد تأثيث حفلة لجلد الذات، بقدر محاولتي إلقاء نظرة واقعية على المشهد. فالبرلمان بحاجة ملحّة لتشريعات تمنحه الثقة وتكرّس استقلاله مقابل تغوّل السلطات الاخرى. ولأن البرلماني المهزوز والضعيف والخائف من زعيم كتلته، لن يصنع برلمانا قادرا على التشريع والرقابة وحماية الديمقراطية ورحمها الدستوري.
من هنا فإن النخبة تتحمل مسؤولية تأييد المؤسسة التشريعية في هذا الجانب تحديداً، بالقدر الذي تتحمل فيه مسؤولية تأليب الشارع وحثه على رفض الامتيازات التي تضمنتها مسودة القانون المثير للجدل أو غيره من القوانين.
فالتشريع الحالي، بصورة عامة، يلبّي حاجة ماسّة لمأسسة مفاصل البرلمان، وبالتالي فإن إقراره يُعدُّ ضرورة قانونية، شرط ألّا يؤدي إلى ترهّل المؤسسة التشريعية، ولا يمنح أعضاءها امتيازات تُثقل كاهل الدولة. فلا خلاف على إقرار القوانين المنظمة لعمل السلطات الثلاث، التي تكرس وتحمي صلاحياتها الدستورية، إلا أن الخلاف والاعتراض يكمن في الامتيازات التي ترتئي هذه السلطات شرعنتها لنفسها ولأعضائها.
وفي ظل الأوضاع المتأزمة الراهنة، نحتاج الى جرعة كبيرة من الواقعية في التعاطي مع المستجدات السياسية والامنية، والابتعاد عن المبالغة والمزايدة والكسب السياسي والفئوي.
إنه برلمان يشبهُنا بخيره وبشره، ولن يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما في برلمانهم!
إنّه برلمانٌ يحملُ جيناتِنا!
[post-views]
نشر في: 27 يوليو, 2016: 09:01 م