من حسنات (الفيسبوك) انه أضفى على حياتنا الرتيبة بعض الحيوية حين منحنا فرصة التواصل مع اصدقاء أبعدتهم الظروف عن العين لا الذاكرة، ووضع امامنا قصصا وحكايات واقوالا وكتابات أعادت إلينا لذة القراءة التي باتت ترفاً لدى أغلبنا..ومن مساوىء (الفيسبوك) انه صار يمكن ان يصبغ نهاراتنا باللون القاتم بعد ان اصبح الاطلاع عليه ضرورة وحاجة يومية تضاهي الاستماع الى أغنيات فيروز الصباحية او الاستمتاع ببرنامج اذاعي خفيف الظل ، اذ تصادفنا فيه اخبار صادمة وصور مفجعة وقد نطلع على آخر تصريحات المسؤولين (الفايخة) ونظرياتهم اللاواقعية ويزداد يومنا قتامة حين نقرأ تعليقات القراء وما تجود به الألسنة من غث وسمين يصل احياناً الى حد الشجار وتبادل الشتائم ليعكس ما تمور به النفوس من ضغينة وألم وجهل وتبعية ...
في الدول الغربية ، يتبادل المارة الابتسامات وهم يخوضون رحلتهم الصباحية الى العمل او الى اشغالهم الخاصة ايماناً منهم بثقافة الابتسامة التي تجعل ايامهم اجمل ، اما اذا نظرنا الى وجوه المارة في شوارعنا فسنجد اصراراً على ممارسة ثقافة ( التجهم ) ، اذ يخوض كل منا رحلته الصباحية الى عمله او اشغالة الخاصة وقد امتلأت جعبته بهموم (عراقية ) بحتة ...تأخير استلام الراتب وما سيترتب على ذلك من متاعب ..مواجهة موجة حر قاسية خلال انتظار توقيع مدير ما على معاملة دامت المراجعة لاتمامها اشهرا ..الاستماع الى اغانٍ هابطة ...سماع دوي انفجار وتوقع عدد الضحايا وتخيل الأشلاء المحترقة ..الرضوخ لانتظار ممض لزحف المركبات في زحامات لا تنتهي ..الاستماع او المشاركة في نقاشات عقيمة حول اوضاع البلد (المتهرئة) ..وهكذا ، تتضافر جهود (الفيسبوك) مع الهموم اليومية لتصدر الى الشارع وجوهاً عراقية متجهمة ومرهقة...
في الاسبوع الفائت ، أسهم (الفيسبوك) في ارتفاع نسبة التجهم والارهاق واليأس لدينا بعد ان تداولت صفحاته موضوع الامتيازات التي منحها نواب البرلمان لأنفسهم وما حفلت به من تجاهل لحاجات الشعب واستعلاء على همومه وامعان في سرقته ، أعقبها قرار وزارة التربية بالغاء معهد الفنون الجميلة وما يقف وراء ذلك من محاولة ممنهجة للاطاحة بالتعليم والفن والإبداع في العراق ، ثم تلى ذلك تلك المبادرات الاستعراضية لكشف ذمم المسؤولين واعتبارها نصراً يُحسب لأصحابها بينما هي في حقيقتها واجب مفروض على كل مسؤول ، وتخلل كل هذه المواضيع تصريحات مستفزة لبعض المسؤولين منها مطالبة السيد المالكي لهيئة النزاهة بمحاسبة سُراق المال العام في محاولة جديدة للضحك على الذقون! برغم ان اغلب الذقون العراقية شابها الملل من ضحك المسؤولين عليها ولم تعد تصدق حكاياتهم ( الانتخابية ) ، أما من يواصل الاصغاء الى تصريحاتهم وتصديق وعودهم فهو اما من المنتفعين من استمرار تواجدهم او ممن اختار ان يكون اعمى بملء إرادته ومثل هذا الشخص لن يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود حتى لو أشرقت عليه الشمس كل يوم ألف مرة .
وبين هؤلاء وأولئك ، تدور احاديث ( الفيسبوك ) فـ(يرفع) المنتفع او الأعمى من قدر المسؤول ويمنحه كل الأعذار الممكنة و( يكبسه ) المتضرر او الواعي وقد يصل الأمر حدّ غليان الصفحات وانفجارها بتبادل الاتهامات والشتائم ، بينما يواصل المسؤولون بلا مبالاة كاملة احصاء غنائمهم والبحث عن ( زواغير) جديدة للانتفاع وذرائع جديدة للضحك على الذقون !!
لاغيبة على (مسؤول)!
[post-views]
نشر في: 29 يوليو, 2016: 09:01 م