قامة أخرى من قامات الثقافة، احتفت به مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون من خلال فعالية بيت المدى ، وهو الكاتب والفنان المسرحي القدير الذي قدم للمسرح العراقي والعربي كلّ خبراته في مجال الكتابة والتمثيل والإخراج مع
قامة أخرى من قامات الثقافة، احتفت به مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون من خلال فعالية بيت المدى ، وهو الكاتب والفنان المسرحي القدير الذي قدم للمسرح العراقي والعربي كلّ خبراته في مجال الكتابة والتمثيل والإخراج مع سجل حافل بالأعمال المسرحية ابتداءً من فوايس مروراً بتراب وطنطل وورد جهنمي وصوت النخيل والدولاب وقرندل .
صاحب لون جديد في المسرح
قدّم للاحتفالية الفنان والتدريسي حسين السلمان الذي قدم تحية للمحتفى به الذي غاب بسبب تعرّضه لأزمة صحية جعلت منه طريح الفراش ،وأضاف السلمان : نشكر مؤسسة للمدى لإقامتها هذه الاحتفالية الجميلة في صبيحة كل جمعة حين تحتفل بالقامات الثقافية. مؤكداً أن طه سالم لعب دورا رياديا في المسرح العراقي ، بتقديمه لونا جديدا هو مسرح اللامعقول وانه كان الرائد عبر مسرحيته فوانيس في النصف الأول من الستينيات ملحقاً بها بمسرحيات أخرى مثل الكورة يوم كان مسرح اللامعقول في بداياته العالمية مع ندره الترجمات إلى العربية في هذا المجال .
فرادة التجربة وجماليّتها
بعدها قدم الفنان صلاح القصب حديثه عن منجز طه سالم قائلا : هو معلمنا جميعا ، صاحب المدرسة المتميزة في الكتابة ، قدم نصوصا مغايرة ، وتعامل مع اللامعقول ، بكل تجلياته. وقد حاول البعض تقليده في ذلك. واضاف القصب : والغريب أن تجربته الفذة في الكتابة لم تدرّس ولم يسلّط عليها الضوء كثيرا رغم فرادتها و جماليتها ، مضيفا ان طه سالم لايعد كاتبا مسرحيا فقط وإنما هو بمثابة فيلسوف جمال في تأملاته، وقراءاته للواقع المحلي برؤى إنسانية وتجريبية تنطوي على صور تعبيرية عالية الترميز .
أهميّة توثيق تجربة طه سالم
بعدها تحدث الناقد حسين علي هارف الذي أكد أهمية توثيق الفنان لمنجزه الإبداعي وأن ما يقوم به طه سالم اليوم في جمع شتات مؤلفاته لهو أمر ضروري ،فلا توجد مراكز توثيق حقيقية في العراق في مختلف مجالات الثقافة من تشكيل و أدب و فنون أخرى ، ولهذا لا يجد المثقف مخرجاً لهذا سوى أن يقوم هو بمجهوداته الذاتية للتوثيق. وأضاف هارف ان الكاتب طه سالم أعاد قراءة الواقع من وجهة نظر مستقبلية ،لان الفنان مؤرخ عصره ، فالفنان معني بالحقيقة الفنية ،في حين ان الفيلسوف والمؤرخ معنيّان بالوقائع الفكرية والتأريخية كما هي.
التزم خطّاً غير مجاملٍ للسلطة
فيما أكد د. جبار خماط أن الفنان طه التزم خطاً غير مجامل للسلطة القائمة آنذاك واخذ المشاكل الاجتماعية كطريق لنشر أفكاره وهذا ما نبه السلطة إليه . وكان قسم المسرح في الكلية قد أنجز أطروحتي ماجستير حول منجز طه سالم. وأضاف خماط: لقد اقترن اسم طه سالم بالمسرح، باعتباره احد المجربين الكبار وحاول من خلال هذا التجريب ان يصطحب معه الذاكرة الشعبية، برموزها، وعلاماتها، فطه سالم المؤلف الذي يتأرجح بين الواقعية والتجريبية، استطاع ان ينسج من الواقع مفهوما عصريا وحداثيا للفن المسرحي.
مسرحياته تثير أسئلة كبرى
فيما أكد الفنان والناقد سعد عزيز عبد الصاحب ان المسرح ضرورة كونية قصوى لايمكن تفاديها. وهذه الضرورة مهمة في حياتنا وفي دور المسرح. اليوم نحتفي بقامة كبيرة وبرمز من رموز المسرح العراقي ألا وهو الكاتب طه سالم الذي شكل ثقلاً كبيراً في تاريخ مسرحنا. وفي كتابة نص يحتوي على جماليات المسرح بحيث صار يمثل مرحلة مهمة من مراحل المسرح عندنا منذ الستينيات. والكاتب الستيني كان له توهج بالفكر الحديث وبالمدارس الادبية المعاصرة , وطه سالم كان واحداً من هؤلاء لأنه بدأ مع فوانيس ليثير أسئلة كبرى تتشابك مع الواقع . تجربته شكلت قطيعة مع من سبقه ،لكنه أسس لإطار جديد في المسرح استفاد منه من أتى بعده.
أسّس لمنهج جديد في الكتابة المسرحيّة
الشاعر الدكتور محمد حسين آل ياسين قدم التحية لصديقة الفنان طه سالم وتمنى لو أنه كان حاضرا ليشهد مدى حبّ جمهوره له، واضاف آل ياسين ان طه سالم أسس لمنهج جديد في الكتابة للمسرح ، اليوم نحن هنا لنعتز بأعماله ونستعيد ذكرى توهجها على خشبات المسارح ، مؤكدا ان طه سالم بذكاء وحساسية درامية ان يقدم مشاكل المجتمع العراقي ورؤاه المستقبلية من خلال نصوص مسرحية تعد اليوم جزءاً من تراثنا الأدبي الذي نعتز به .
التدريسي الدكتور زهير البياتي قال في مداخلته :إن طه سالم لم يكن كاتبا مسرحيا وممثلا ومخرجا ً فقط، وإنما هو فليسوف في مجال المسرح ايضاً. وأضاف : فقد تشرفت بمعرفته والجلوس معه لفترات طوال أُسجل حديثة. ومما أعتز به كثيراً حديثه عن المسرح الحديث . وأعتقد ان تنظيره كبير وناضج، يدخل ضمن مضمار المخيلة الإبداعية، ، فهو يلهم الفكرة ويعطينا شيئاً جديداً إبداعياً. وتابع: طه سالم تميز في كتابة المسرحية ، فقد كان يصممها على الورق، لانه يحاول من خلال الورق ان يقدم شكلا جديدا للعرض المسرحي، البعض أطلق عليه مسرح اللامعقول ، لكنه في نظري مسرح معقول مئة بالمئة، فبرغم غرابة شخوصة، وفنطازية احداثه ، إلا انه يقدم صورة صادقة عن الواقع.
آخر المتحدثين كان الفنان عبد السادة جبار الذي حيّا مبادرة بيت المدى قائلا : جميل ان تحتفي المدى بالفنان والكاتب طه سالم ، الذي غاب للاسف بسبب مرضه ، واضاف ان طه سالم من بناة المسرح العراقي لكنه تعرض للاسف للاهمال والنكران ولم يتعرض له النقد كثيرا، وهذا خلل في الممارسة النقدية، مضيفا ان الاحتفال برموزنا فيه كثير من جوانب الوفاء ، لان مثل هكذا احتفالات تسهم في صناعة جو ثقافي يؤمن بالحوار وايضا يعلّم الاجيال القادمة معنى الاحتفال بقامات كبيرة مثل قامة طه سالم.
طه سالم : أردتُ أن أُقدّم الوجه الآخر للإنسان العراقي
بعد أن اختتمت الاحتفالية توجهنا الى بيت الفنان الكبير طه سالم الذي استقبلنا بحفاوة كبيرة رغم اصابته الشديدة بكسور ادت الى عجزه عن الحركة ،مثمناً مبادرة مؤسسة المدى للاحتفاء به ، شاكرا الجهد الكبير الذي بذل في إصدار ملحق "عراقيون" عن تجربته المسرحية ، مؤكداً في حديث قصير للمدى : أردت أن اقدم من خلال مسرحياتي التي تجاوزت الاربعين نصا مسرحيا ، الوجه الآخر للانسان العراقي في طموحاته واحلامه وتطلعاته ، قدمت تجارب أعتقد انها استطاعت ان تشكل لونا متفردا على خشبة المسرح العراقي .
وقال عن مشاريعه القادمة: المرض منعني من الكتابة رغم انني أُهيّئ لإصدار المجلد الثالث من أعمالي الكاملة وهو مشروع تكفلت بأعبائه المادية ، لان المؤسسات الثقافية لاتولي اهتماما لطباعة النصوص المسرحية العراقية .
كما تحدث طه سالم عن سعادته وهو يرى هذا التكريم الكبير من "بيت المدى" ومن الحاضرين من الأدباء والفنانين ،وهي خطوة جيدة أن يُكرَّم الفنان في حياته وليس بعد وفاته.