1-3
هاهي ليلة سبتٍ دامٍ آخر. كأن السفاحين أرادوا أن يؤاخوا عاصمتين جمعهما حتى الآن حرف واحد: حرف الباء: باريس وبغداد، عاصمتان تبعدان عن بعض آلاف الكيلومترات، لكن ها هما تتوحدان بالكارثة والدم. 130 قتيلاً و383 جريحاً، كانت حصيلة هجمات باريس، 250 قتيلاً و220 جريحاً كانوا حصيلة هجمات بغداد. وذلك قبل أن يضربوا نيس باثني عشر يوما بعدها، 84 قتيلاً، ناهيك عن عدد الجرحى. الإرهاب، الموت، القتل، من الصعب مقارنتها ببعض، لكن ما حدث في بغداد في ليلة السبت على الأحد، 2 يوليو/تموز، وبيومين قبل انتهاء شهر رمضان، كما لو كان عيدية مقدمة للعراقيين، لابد وأن يذكرنا بأحداث دامية أخرى حدثت في مدن أخرى من العالم، في باريس قبل كل شيء (قبل أن تلحق حادثة نيس وقبلها بروكسل)، ليس لأنه الأعنف هذا العام، وليس بسبب عدد ضحاياه الذين كانوا بالعشرات، فضلاً عن احتراق عدد من المحال التجارية والسيارات القريبة من موقع الانفجار، بل أكثر بسبب الهدف الذي اختاره المهاجمون: كرادة داخل، الشارع التجاري المزدحم بالمولات، وبالضبط أمام أحد أكبر المجمعات التجارية في بغداد، مول الليث، وهو مجمع تجاري كبير من ثلاثة طوابق، على غرار مولات أوروبا، دائماً مزدحم بالناس لأن بضاعته ماركات عالمية معروفة، محال كبيرة وعديدة لبيع الملابس والعطور والحاجات المنزلية والحقائب والأحذية وكل ما يحتاجه المرء، ملاعب للأطفال ومطاعم ومقاهٍ حديثة، ليس من الغريب هذا العدد الكبير من الضحايا، الناس تتحدث عن العشرات من الشباب الذين سقطوا ضحية احتراقهم بمادة سي فور، المادة شديدة الاحتراق، التي استخدم الإرهابيون نحو نصف طن منها في ضرب المكان، الشارع كان حتى وقت قريب مغلقا أمام السيارات، وفُتح من ضمن الشوارع التي فُتحت منذ فترة تسلم حيدر العبادي رئاسة الحكومة العراقية، ولمن لا يعرف مادة سي فور، فهي مادة شديدة الانفجار تُصنع في المنشآت العسكرية، وهي ذات قدرة واسعة على تدمير الدروع، وحسب ما يقول الخبراء في هذا الشأن، فإن العبوة التي تزن كيلوغرامين من هذه المادة تعادل في حالة انفجارها قوة عشر كيلوغرامات من مادة تي أن تي شديدة النفجار، كما أنه مفجر لدن سهل التشكيل له لون رمادي فاتح يذوب في مادة الأستيون ولا ينفجر بالاشتعال، وإنما يحتاج إلى مفجر مباشر، بكلمة واحدة: سي فور هو أحد مواد الانفجار البلاستيكية الأكثر فعالية واستخداماً عسكرياً، وكما يبدو أن ستراتيجية داعش الجديدة أخذت منحىً جديداً سواء من ناحية استخدام مادة سي فور المفجرة، أو من ناحية اختيار أهداف جديدة: استهداف التجمعات البشرية والتجارية والاقتصادية، بدلاً عن استخدام العبوات الناسفة والأحزمة الناسفة، واستهاداف التجمعات البشرية فقط، والأسواق الشعبية، وهذا ما يتوضح من التفجيرات الاخيرة خاصة في بغداد، التي يعتبر هجوم الكرادة قمتها.
منطقة أو حي الكرادة، هي قلب بغداد النابض، ليس في أيامنا هذه وحسب، بل في كل العهود السابقة، خاصة كرادة داخل (لأن كرادة خارج أو كرادة مريم، هي مكان القصر الجمهوري والمنطقة الخضراء) ربما نافستها منطقة أو حي المنصور الواقع غرب بغداد، ذات الأغلبية السنية، والمشهورة أيضاً في مولاتها وأماكنها الترفيهية وانتقال بعض السفارات الأجنبية إلى هناك (السفارة الألمانية مثلاً)، لكن مجاورة الكرادة داخل إلى مركز العاصمة بغداد، إلى كورنيش نهر دجلة، جعلها تحتل هذه المكانة الخاصة، ومنذ عهود قديمة، هنا أسس الإنكليز نواديهم الأولى، نادي العلوية مثلاً، الواقع في ساحة الأندلس، والذي هو نادٍ قديم مثل النادي القريب منه، نادي الهندية.
يُنشر بالتزامن مع نشره في صحيفة نويرتزوريشير تاتز الألمانية
السبت الدامي لبغداد
[post-views]
نشر في: 2 أغسطس, 2016: 09:01 م