اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > ريـبــورتـــاج: الحكومة تحمي موظفيها من الحر... لكن من يحمي الفقراء؟

ريـبــورتـــاج: الحكومة تحمي موظفيها من الحر... لكن من يحمي الفقراء؟

نشر في: 4 أغسطس, 2016: 12:01 ص

"أحمد"، صبي في العاشرة من عمره، ما أن يلوّح رجل المرور بيده لإيقاف السيارات بسبب تعطل إشارة المرور الضوئية في تقاطع ملعب الشعب، حتى تجده يتنقل بين سيارة واخرى يلوّح لراكبيها بقناني الماء البارد. على مقربة منه يقف "سجاد"، شاب يبيع مظلات واقية للشمس خا

"أحمد"، صبي في العاشرة من عمره، ما أن يلوّح رجل المرور بيده لإيقاف السيارات بسبب تعطل إشارة المرور الضوئية في تقاطع ملعب الشعب، حتى تجده يتنقل بين سيارة واخرى يلوّح لراكبيها بقناني الماء البارد. على مقربة منه يقف "سجاد"، شاب يبيع مظلات واقية للشمس خاصة بزجاج السيارات لكنه لا يكترث للشمس التي تسطع خيوطها بدرجة حرارة يقال أنها بلغت 50 درجة مئوية في الظل.

على جسر السنك ،في الاتجاه القادم من منطقة الصالحية، يصطف عدد من الشباب والصبيان منهم من يبيع أوراق الكلينكس وآخر الماء البارد، وثالث بعض المشرويات الغازية، ورابع أقراص السيدي. "حسن"، بائع الكلينكس الذي يتوسط الشارع خافياً بعض ملامح وجهه من حرارة الشمس ، يقف يومياً في ذات المكان من ساعات الصباح الأولى حتى وقت الظهيرة إذ اعتاد بيع كمية معينة من علب الكلينكس تكفي لسد جزء من مصروفات العائلة. عن عطلة الحكومة لموظفيها قال: ربما سيصاب الموظفون، بالحسد فهم يجلسون في سيارات نقل ومكاتب مكيّفة ويتقاضون مرتّبات من غرف مكيّفة (حتى فلوسهم مكيّفة) ويمنحون عطلة بسبب الحر.
بعده بعدة خطوات ، يقف "هشام" بضحكته الساخرة مردداً كلمات أغنية شعبية مطبوعة على أحد الأقراص التي يبيعها . هشام أعاد الضحكة بصوت أعلى هذه المرة وهو يقول عن عطلة الحكومة: هي الحكومة وتفعل ماتريد، مستدركاً: لكنها لم تفكر بنا ولو مرة واحدة مثلما تفكر (بأبنائها) الموظفين ، حسب وصفه. أثناء ذلك نادى عليه أحد اصحاب الكيّات طالباً قرصاً لأغانٍ سبعينة . أجابه هشام بأغنية سعدي الحلي ( حبيبي امك) ، من عيوني ، وأحلى الأغاني السبعينية.
"علّاوي"، هكذا نادى عليه أحد أصحاب سيارات الكيّا ، استطاع بيع قرابة ثماني قناني ماء اتجه صوب هشام ملوحاً بيده : اليوم (يوم التعويض) بسبب عطلة الاثنين والثلاثاء ، التي وصفها بأنها حرب حكومية على الفقراء خاصة نحن عمال التقاطعات والإشارات. علّاوي أشار الى اشعة الشمس الملتهبة قائلاً: رغم حرارتها لكنها أرحم من الحكومة التي دائما ما تنظر بعين واحدة.
بعيداً عن جسر السنك في الإشارة الضوئية لساحة التحرير وسط الشارع وحر الظهيرة ، يقف "حمادة" الذي يبيع مَحافظ جلدية للأوراق الثبوتية الأربعة. احدهم فتح نافذة السيارة ونادى عليه، اشترى قطعة ، لكن حمادة تعمد التأخر في إرجاع الباقي، حتى طالبه الرجل به، الذي انزعج من منبهات السيارات التي خلفه لفتح  الطريق مثلما أعلنت ذلك الإشارة الضوئية. حمادة يبلغ من العمر (14 ) عاما ، يعيل أسرته المكوّنة من ثلاثة اخوة وأخت هو اكبرهم، والده فقد القدرة على العمل بعد اصابته بالعمود الفقري جراء حادث إرهابي. سألتُه : لماذا تأخرت في إعادة بقية المبلغ؟ اجاب (الدنيا موت حر والحجي فاتح تبريد رجعتلي روحي من كفخني هوا السيارة). وعن المحفظة التي يبيعها وانتفاء الحاجة لها بعد اصدار البطاقة الموحدة قال: اتممت بيع بضاعتي التي نفدت اليوم سريعاً بسبب الزحام نتيجة عطلة اليومين الماضيين. وهذه المحفظة ليست لي بل لصديقي حسام (مهجّر) الذي سقط من حرارة الشمس العالية.
العطلة الحكومية بسبب ارتفاع درجات الحرارة غالبا ما تترك أثرها في اليوم التالي ، اذ تزدحم الشوارع والدوائر الحكومية. "سلام"، شاب يقف بالقرب من دائرة التسجيل العقاري في ساحة الوثبة خلف عربة لبيع المأكولات الشعبية ، قطرات العرق كانت تنز من كل أركان جسده ، تأفّف قبل ان يتحدث: لا أدري ماذا أقول لكني فقط أتساءل كيف تفكر الحكومة وكيف تتخذ قراراتها ولمَ لا تفكر بنا نحن الفقراء أصحاب الأكشاك والعربات. كما تساءل : أين وجه الحق في موظف يتمتع بكل وسائل الراحة يجلس في بيته ويتقاضى مرتّبه فيما يبقى الفقراء تحت لهيب أشعة الشمس يبحثون عمن يشترى ما يعرضون.
فيما اكفتى "كرار"، العامل مع سلام بالتعليق : هذا حظنا والحمد لله والشكر على كل حال. ليعاود سلام الحديث: كنت أتمنى بعد سقوط النظام أن تأتي حكومة تنصف الفقراء وتقدم لهم ما يمنح العيش الكريم ، لكن للأسف ، الحكومات التي تمثلها الأحزاب دينية يبدو انها جاءت لسحق الفقير الذي تفكر به وقت الانتخابات فقط.
ختام الجولة كان مع بائع السوس "هادي المصلاوي" ، حسبما يطلق عليه ، رغم أنه من أهالي المسيّب لكنه امتهن بيع السوس حين عمل مع برهان المصلاوي في العام 2000 حسبما ذكر ولقِّب بالمصلاوي منذ ذاك اليوم . قبل ان يتحدث قدم لنا (طاسة) من شراب السوس الذي يحرص على بيعه وتقديمه حسب الطريقة الموصلية: لم تعد حرارة الشمس تخيفني فقد اعتدت عليها وصرنا أصدقاء. لكنه عاد واستدرك بحديثه: لكني استغرب موقف الحكومة وهي تعلن تعطيل الدوام الرسمي الذي يؤثر علينا نحن الباعة الجوالين او ممن يسترزق قرب الدوائر الحكومية خاصة دائرة بحجم (الطابو). طقطق طاسة بأخرى ونادى بلهجة موصلية لفتت انتباه احد المارة الذي نادى عليه طالباً السوس متذكراً الأيام التي كان يرتوي بها من السوس في منطقة الدوّاسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram