يرتب أصحابها الكراسي في القاعة ويتهيأون لاستقبال الزبائن.. يضبّطون الأجهزة والكامرا باتجاه منصة الضيوف وتثبّت أسلاكها..وتضبيط الانارة والأجهزة الالكترونية..يحدث ذلك بعد جهود آنفة مضنية في التهيئة للأمسية، التنسيق مع الضيف، عمل بوستر وتوزي
يرتب أصحابها الكراسي في القاعة ويتهيأون لاستقبال الزبائن.. يضبّطون الأجهزة والكامرا باتجاه منصة الضيوف وتثبّت أسلاكها..وتضبيط الانارة والأجهزة الالكترونية..يحدث ذلك بعد جهود آنفة مضنية في التهيئة للأمسية، التنسيق مع الضيف، عمل بوستر وتوزيعه، إجراء قائمة اتصالات الكترونية بالزبائن لأجل الحضور، جلب مفاتيح القاعة وتسليم أجورها من دعم زبائن المقهى وبعض الأصدقاء، تهيئة شاي وقهوة، وغير ذلك من الأمور التي تجري منذ ما يزيد على خمسة أعوام بروح تطوعية وبإمكانيات شحيحة الموارد.
هذا ما يحدث في ذلك المحفل الثقافي الاجتماعي المتميز في العاصمة البريطانية كل آخر أحد من كل شهر، بمبادرة طوعية من جماعة المقهى، بشكل لافت في تغطية نشاطات ثقافية لمعظم الأدباء والفنانين في مدينة لندن وخارجها.
- هل سيعرضون لنا فيلماً اليوم؟ من المخرج، وأين هو؟
- نعم سنشاهد اليوم فيلم "همس المدن" لقاسم عبد، ذاك الذي يقف عند الطاولة، هل تعرفين؟ انه حائز على شهادة الماجستير من معهد التصوير السينمائي من موسكو ومشارك في العديد من المهرجانات السينمائية ومساهم في تأسيس الكلية المستقلة للسينما والتلفزيون في بغداد، فهو مخرج ومنتج ومدير تصوير.
- سنرى إذن ون مان شو.
تُطفأ أنوار القاعة، تتوجه الأبصار نحو شاشة تتبين منها مدينة رام اللـه في مطلع يوم عادي..ضجيج سيارات..باعة متجولون ينادون على بضاعتهم..ناس تشتغل وأخرى تذهب الى عملها..سيارة شرطة الاحتلال..منع تجول..لافتات شوارع بالعربية والعبرية..تفجير..ليل..أمطار تتساقط فوق أعمدة الضوء..شوارع فارغة..غبش.. ضجيج سيارات..باعة متجولون ينادون على بضاعتهم..ناس تشتغل وأخرى تذهب الى عملها..
تنتقل الكاميرا الى بغداد..شارع مكتظ بضجيج سيارات واختناقات مرورية..سيارات عسكرية وشرطة..عمال بناء..باعة متجولون..أمرأة متسولة..شرطي "يناضل" في اداء عمله..غاز يحترق..صوت اطلاقات نار.سيارات اسعاف ..بناءون يبنون أساساً لبناية..عمال يخططون لحديقة، ويشتلون أشجار نخيل..اطلاق نار..شوارع لا تستوعب المطر..شباب يرقصون في ساعة فرح..لافتات لرموز دينية..عمل بناء بطريقة بدائية..عمّال..حارس نائم..شباب مع دراجاتهم..مكبرات صوت وأدعية دينية..أطفال يلعبون في نافورة حديثة..غاز يحترق..شارع مكتظ بضجيج سيارات واختناقات مرورية..سيارات عسكرية وشرطة..عمال بناء..باعة..
في مدينة أربيل..باعة متجولون يدفعون عرباتهم..بناية مدرسة طلاب....سيارات..منبهات وأبواق..طفلة تمشي بأمان..مطر..باعة متجولون..سماء غائمة..مدرسة..طلاب..
تنتهي ساعة، وينتهى الفيلم.
- ما هذا الفيلم!! لا قصة ولا ممثلون ولا حوار..باستطاعة اي فرد أن يربض في غرفة بناية عالية ويصوّر لقطات من الشارع تحته ليغدو بعد ذلك فيلماً تسجيلياً.
- ليس بمقدور أي كان فعل ذلك..دعينا نسمع ما يقوله الناقد السينمائي فيصل العبد اللـه:
- الفيلم، سرد لتفاصيل يومية وأحداث تسطّر على الشاشة..ينقلها المخرج بعين كامرته..تخلق إيحاءات في نفس المشاهد..جهد عشر سنوات تصوير من شرفة فنادق..حياة مدن تفتقر الى شروط الجودة..تواتر يقطعه المطر..بلا حوار..مونتاج مسبوك..لغة رمزية..في بغداد، يستغرق الفيلم أربعين دقيقة ليس كما في رام اللـه وأربيل، عشر دقائق لكل منهما..في رمز الغاز المحترق، النفط سبب الخراب.
- ربما بدأت الصورة تتضح لي، هاهو الروائي والمترجم لؤي عبد الإله يتحدث:
- العين لا ترى الاشياء بشكل سلبي، تنظمها ثم تؤولها..الحاجة الى معالجة فنية..الواقع كمادة خام.. قدم المخرج المدينة ككائن حي أساسي، ليس عبر حياة شخوص..حيادية الكاميرا..مكان واحد..عین جاسوس..المعالجة بدت جليّة في تحويل ماهو مرئي الى رموز..تعامل مع الوعي واللاشعور..الأمل والتفاؤل بين طياته.