TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > الحاضرة في العراق.. مدن بلا مدارس

الحاضرة في العراق.. مدن بلا مدارس

نشر في: 6 أغسطس, 2016: 12:01 ص

"يشار الى أن المدارس الناجحة تساهم في تعزيز الإحساس بهوية المجتمع وتماسكه " ( Walden, 2015, Schools for the Future ) وقد كتب فيكتور هوجو أنه "من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن".ويذكر ان وينستون تشرتشل قال "مادام الفساد بعيدا ًعن القضاء والتعليم فإن بريط

"يشار الى أن المدارس الناجحة تساهم في تعزيز الإحساس بهوية المجتمع وتماسكه " ( Walden, 2015, Schools for the Future ) وقد كتب فيكتور هوجو أنه "من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن".
ويذكر ان وينستون تشرتشل قال "مادام الفساد بعيدا ًعن القضاء والتعليم فإن بريطانيا بخير ."

وكما يصف جاستون باشلار في كتابه "جماليات المكان" البيت بأنه المكان الأليف الذي نولد فيه ونمارس فيه أحلام اليقظة، وأن البيت القديم، بيت الطفولة، هو مكان الألفة، ومركز تكييف الخيال. فإن المدرسة ينبغي أن تكون المكان الأليف الذي نشارك فيه الآخرين الذين بعمرنا أبجديات الحياة والتعلم. وأن  المدرسة تشكل الذاكرة الاجتماعية الاولى لدى الطفل تظل تصاحبه أعواما أن لم يكن العمر كله.
تساهم المدرسة بشكل واضح في تشكيل شخصية الفرد، وليس الغرض هنا هو البحث في دور المناهج التعليمية وانما في الاشارة الى دور البيئة العمرانية للمدرسة وأهميتها في صنع هذه الشخصية. وتتضمن البيئة العمرانية للمدرسة المبنى بكل فضاءاته الداخلية بالاضافة الى الفضاءات الخارجية المفتوحة ودورها في استكمال مهام المدرسة التربوية، كما وتتضمن بيئتها علاقة المدرسة التخطيطية والتصميمية بمحيطها ومجاوراتها وجزء المدينة الذي تقع فيه والمساحة التي يتعدى اليها تاثيرها. وقد يشمل المدينة بأكملها وربما النواحي المحيطة بها في حال بعض المدارس التي يتوافد اليها التلاميذ من نواحي أخرى كالأرياف لانعدام البديل هناك.
لقد تغير مفهوم المدرسة على مر العصور وبشكل جذري فلم تعد المدرسة مجرد ملحق بمبان أخرى كالمباني الدينية، وانما هي الان مؤسسة قائمة بذاتها مستقلة على الاقل مكانيا ً لها أهدافها وبرامجها وعملها الواضح والمنعزل عن المؤسسات الاخرى. تتصدر هذه الاهداف التعليمية والتربوية منها وقد تضاف اليها أهداف أخرى كالثقافية والترفيهية والرياضية. وربما من الضروري اشتمال المدرسة على هذا التنوع الوظيفي، ومجرد اجراء حسابات مبسطة للوقت الذي يصرفه التلميذ في المدرسة مقارنة بالأوقات الاخرى بما فيها مايقضيه مع العائلة يكفي لايضاح أهمية دور المدرسة في حياة التلميذ، وان المدرسة بدورها التربوي قد تطغى على دور العائلة.
فما هو نوع البيئة المكانية الذي يفترض على المدرسة أن توفرها للتلميذ كي تفي بأدوارها المتعددة؟ وما هي مقومات هذه البيئة؟ وما هي آثارها؟ وما هو نوع البيئة الذي توفره مدارسنا الحالية في العراق كي يصدق عليها مفهوم المدرسة بالتعريف المعاصر لها؟ وماهي نسبة المدارس الصالحة لهذه الاهداف في مدننا في العراق؟
يفترض بالمدرسة ان توفر بيئة معمارية تناسب الطالب الدارس فيها من ناحية الملائمة  Convenience & Suitability   للاهداف المبنية من أجلها، ومن ناحية الراحة Comfort ، والمقياس Scale ، والألفة والحميمية Familiarity & Intimacy ( وهما عاملان برغم أهميتهما البالغة فإنهما أكثر العوامل تعرضا للاهمال ) ، وهناك عامل آخر من النادر العثور عليه حتى في بعض المدارس النموذجية وهو التحفيز على التفاعل والابداع Stimulus to Invention  ( ربما تمتاز أكثر مدارسنا بالعامل النقيض لهذا أي دافع الإحباط  Frustration)، بالاضافة الى عوامل أخرى كالإتاحة Accessibility والأمان  Safety.
أما مقومات هذه البيئة فتتمثل في الكثير من المعالجات التخطيطية والمعمارية التي ينبغي أن تتم طبق مفاهيم Theories وتجارب Practices قد تم التوصل اليها  واعتمادها. ومنها الفضاءات المعمارية Built Places المناسبة والفضاءات المفتوحة Open Spaces مدروسة التصميم ( عادة ماتكون الفضاءات المفتوحة في المدارس وفي غيرها أيضا مجرد فضلة فضاءات متبقية كناتج لتصميم الفضاء المبني )، والمقياس Scale الملائم للتلاميذ ( عادة ما تصمم المدارس طبق مقياس البالغين حتى الحضانات والرياض وتهمل الاطفال الذين بنيت من أجلهم )، والتجهيزات  Equipmentوالاثاث Furniture المناسب، والكثير من المقومات والعناصر الاخرى.
تؤكد سايكولوجية البيئة  Environment Psychologyفي مفاهيمها المعاصرة على التعامل مع أجزاء المدرسة بطرق مختلفة ومغايرة بشكل جذري عما كان سائدا ً من قبل. فالمدرسة على العموم هي المكان الذي ينبغي أن يفصّل على مقاس التلاميذ لا البالغين فيها بما فيهم الاساتذة الذين يتحولون الى مجرد عامل لخدمة مستخدميها – التلاميذ -. وعند اعادة النظر في تصميم المدرسة وتأثيثها نجد أن كل شيء فيها يتغير ويتخذ مقاييسا ً جديدة. كما أن فضاءات المدرسة الداخلية  Built Environmentوالخارجية  Landscapeيشتركان في كل الوظائف التي تبنى المدرسة من أجلها، التربوية والتعليمية والرياضية وغيرها. ويؤدي ذلك الى أن تشارك الفضاءات المفتوحة مبنى المدرسة في أداء هذه الوظائف فتتحول الى مايشبه صفوفا ً مفتوحة. وتتحول حدائق المدرسة وملاعبها الى صفوف دراسية بشرائط أخرى.
واذا ما عدنا الى المقاييس التقليدية للمدارس بعيدا ً عن هذه المفاهيم الجديدة، فان معظم المقاييس والمعايير لايمكن العثور عليها في مدارسنا في العراق، سواء القديم منها أو الحديث. فالحديث منها يتم انجازه بنفس الطرق الفوضوية التي تسود البلد الان دون مراعاة لابسط شروط الجودة والكفاءة. أما السابق منها فقد أنجز طبق مفاهيم قد عفا عليها الزمن، ولم تتعرض هذه المدارس الى أي تحديث أو تطوير أو حتى ترميم مناسب ليجعلها بيئة ملائمة.
تخطيطيا ً، يتم التعامل مع المدرسة كأي دائرة رسمية مغلقة على نفسها لاصلة لها بنسيج المدينة الحضري  Urban Pattern . فإما أن تظل معزولة عن بيئتها المحيطة  Context، أو يتم توقيعها في بيئة مختلطة مشوشة تتداخل فيها مع وظائف أخرى ليس من الصواب الاقتراب منها. أما تصميميا ً فيتم التعامل مع المدرسة كشكل معماري جامد فاقد للروح وفاقد للخصوصية. والكثير من المدارس هي مبان مكررة التصميم Typical Design قد تم تنفيذه في أكثر من محل دون مراعاة لخصوصية الموقع والمجاورات وكثير من العوامل الاخرى. والاسوأ أن التصميم يسمى نموذجيا ً وينفذ على هذا الاساس دون ان يتم اختباره وتقييمه ومعرفة مدى جدواه ومدى كفاءته. وتصمم الفضاءات الخارجية للمدرسة على أنها فضاءات لم تتم الاستفادة منها فتتحول الى فناءات خلفية مهملة بلا وظائف فعلية. أما الفضاءات الداخلية وتشكل الصفوف الدراسية الجزء الاعظم منها فهي مجرد أماكن لاداء الوظيفة التعليمية فقط تقريبا، دون الالتفات الى تقاطعها مع الوظائف الاخرى والتي غالبا ً ماتهمل وتعد وظائف ثانوية غير جديرة بالاهتمام.
تساهم هذه العوامل وعوامل أخرى تتعلق بتخطيط المدرسة وتصميمها وأخرى تتعلق بمناهج التعليم في جعل بيئة المدرسة بيئة غير محببة للتلميذ وغير مشجعة على الدراسة، بل وفي أحيان كثيرة تتحول المدرسة الى بيئة منفرة ثقيلة الظل على تلاميذها، وتتحول الدراسة الى مايشبة الخدمة العسكرية الاجبارية دون ايمان بقضية معينة ودون أجر . وعادة مايتوجه التلميذ الى مدرسته متململا ً ويعود منها ضجرا ً. كما أن المدرسة في العراق لاتمثل بيئة تربوية صالحة لتهذيب التلميذ وتعليمه أمور أخرى غير الامور التقليدية البحتة التي تؤكد عليها المناهج فقط.
مع كل هذا، فإن الكلام مازال مقتصرا ً على المدارس التي يمكن أن تكون مشتملة على بعض من المعايير التي تشترك بها مع مدارس الدول المتحضرة. غير أن الواقع الان أن هناك عددا ً هائلا ً من المدارس في العراق والتي لاتمتلك أبسط المقومات والمعايير كي يصدق عليها مفهوم المدرسة، وخصوصا ً من الناحية المكانية. مدارس بمبان متهالكة قد عفا عليها الزمن ولم تجد من يرمم لها آثار هذا الزمن وبصماته، وواجهات مهترئة – عجوز - ، وصفوف هرمة بتجهيزات بالية وانهاءات مخجلة تبعث على الكآبة والخجل وتحطم الرغبة في المكوث والاستماع والانصات والتفكر ، وممرات تبعث على الغثيان والفوضى، وفضاءات خارجية لاتوحي بشيء ولاتفتح الشهية لانجاز أي فعالية أو رياضة. مدارسنا الان مبانٍ لاتمس الذاكرة ولاتخدشها، ولاتترك فيها شيئا ً يبقى.
لم يبق من مدارسنا ما يبقيها مدارسَ.
وكأنما حواضرنا ... مدن بلا مدارس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram