أستاذي العزيز، لم أرغب في أن أعكر عليك صفو راحتك وأنت ترقد في الأعالي. لكني أتساءل أحياناً مع نفسي، أين أنت يافائق حسن لترى وتشهد على وضاعة الأوضاع في بلدنا العراق، أين أنت يامن أسست معهد الفنون الجميلة سنة 1939 وعلمتنا سحر الرسم؟ وقتها أردتَ أن تجمعَ الموهوبين من الشباب والشابات ليكونوا نواة لفناني البلد في المستقبل. سبع وسبعون سنة مضت على ذلك الحدث الذي غيّر وجه الثقافة في العراق وأعطاها هوية جديدة. كنت رائداً يا أستاذنا في الرسم وفي صياغة معايير جديدة لإبداعنا. لكنك ربما لاتعرف الآن وأنت بعيد عنا كل هذا البعد بأن ثمة رواد جدد قد ظهروا الآن في بغدادك ليؤسسوا نوعاً جديداً من (الفن)، أنه فن الخزعبلات والوضاعة وقتل الجمال بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ. هل تصدق يا أستاذي بأن هؤلاء الذين يسحبون خطواتهم الآن على درب الانحطاط ويريدون سحب البلد معهم أيضاً على نفس هذا الطريق، يحاولون الآن طمس ما بنيت وهدم ما أسست وتفريق ما جمعت وما تركت لنا من أرث نفاخر به كل وقت!!
لقد غيروا أسماء المدن ومسحوا أسماء الشوارع التي نعرفها وهدموا بناياتنا الجميلة وحولوا أحجارنا الثمينة الى محابس وسبح !! قلبوا قماشات لوحاتنا ووضعوها تحت اقدامهم وهم يدعون لخرابنا في صلاتهم للرب!! اطفأوا مصابيحنا ومنحونا القنابل والتفجيرات!! منعوا أغانينا وأهدونا العويل والبكاء!! نزعوا لافتات أفراحنا وغطوا بقماشاتها عنوةً رؤوس فتياتنا الجميلات!! أصبح الرسم محرماً في بلد اخترع الرسم وأهداه للبشرية!! وسادت الخزعبلات والتعاويذ في بلد اخترع الكتابة وغيّر تاريخ العالم!! منعوا الرقص والموسيقى!! وفوق هذا يسمّون النحت أصناماً!! أزالوا الدمى البلاستيكية التي توضع في واجهات المحال لغرض عرض الملابس واتهموها بإفساد الذوق العام، ليعطوا لنسائنا بعدها السواد والقتامة. ربما تستغرب يا أستاذي وتتساءل بعفويتك المعهودة عن كيفية حدوث كل هذا التغيير وبهذا الوقت القياسي؟ وأنا أقول لك، لا وقت لهؤلاء سوى أوقات صلاتهم الزائفة، وهم سائرون بهذا النهج ما دام الجميع ساكتين.
اِسحب نفساً من دخان غليونك يا أستاذي واتكئ على كرسيك قبل أن أزف لك الخبر الأخير، نعم، أنه الخبر الذي دعاني لمكاتبتك والرجوع اليك كما كنت أفعل ذلك أيام الدراسة. فقد قرر قبل بضعة أيام أحد هؤلاء الجهابذة أن يهدم ويلغي ويزيل عن الوجود معهد الفنون الجميلة ويدعو الى تحويله لمدرسة إعدادية!! يالمحبته للعلم والمدارس ويالانتباهته الفذة في اقتلاع الفساد الذي يعشش في معهد الفنون الجميلة والذي تسبب في خراب البلد والناس، ويالبراعته وهو يحارب الشر والرجس الذي هو من عمل الشيطان!!! أنت تضحك الآن بالتأكيد يا أستاذي وتحمد الله لأنك بعيد كل هذا البعد. أراك تضحك أكثر وتعدّل من جلستك وتتكئ على حافة كرسيك القديم لتستذكر دعوتي لإطلاق اسمك على أحد شوارعنا. وأنا أضحك معك الآن بحرقة أقرب الى الكوميديا السوداء، حيث لا أرى اسمك مكتوباً على يافطة شارع حتى وأن كان صغيراً، بل دَمِعَت عيناي وأنا أشاهد بدلاً من ذك أسم (رجل دين) من بلد آخر، يُطلق على احد شوارع بلدي!!!!
أخيراً أعرف بأنك قد تستغرب يا أستاذي وقد يستغرب القراء أيضاً بأني قد استعملت هنا في هذا المقال الكثير من علامات التعجب، وأنا أسألك، هل رأيت عجباً أكثر مما يمر به بلدنا؟ فلا علامات في اللغة تشير الى وضعنا الآن بشكل مناسب سوى علامات التعجب، والتعجب جداً!!!!
رسالة الى فائق حسن.. بمناسبة قتل معهد الفنون الجميلة!!
[post-views]
نشر في: 5 أغسطس, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...