TOP

جريدة المدى > عام > "خيول، خيول، ويبقى الضوء..."..لإبقاء ذكرى مأساة زلزال 2011 حيةً في الأذهان

"خيول، خيول، ويبقى الضوء..."..لإبقاء ذكرى مأساة زلزال 2011 حيةً في الأذهان

نشر في: 9 أغسطس, 2016: 12:01 ص

الكتابة عبر عيون حيوانات لتصوير الواقع بشكلٍ أدق
بعد زلزال عام 2011 المدمر في شرق اليابان، عاش الكاتب الياباني هيديو فيوروكاوا Hideo Furukawa "انصهاراً خيالياً" مضطرباً. وهو يقول عن تجربته تلك، "إن الروائيين فنانون، وعادةً ما يأتي الخيال بينهم وبين

الكتابة عبر عيون حيوانات لتصوير الواقع بشكلٍ أدق

بعد زلزال عام 2011 المدمر في شرق اليابان، عاش الكاتب الياباني هيديو فيوروكاوا Hideo Furukawa "انصهاراً خيالياً" مضطرباً. وهو يقول عن تجربته تلك، "إن الروائيين فنانون، وعادةً ما يأتي الخيال بينهم وبين الواقع. لكن حين يتجاوز الواقع خيالنا، فإننا نكون مكشوفين، عارين ويصير الواقع أقرب إلى الفن. وعلينا عندئذٍ مواجهة الواقع مباشرةً "، كما ورد في مقال كريس كوساكا عن الكاتب ونهجه الفكري والأدبي.
وقد تقطَّر "انصهار"  فيوروكاوا إلى ( خيول، خيول، ويبقى الضوء في النهاية صافياً )، وهو كتاب يمكن القول إنه رواية مذكرات ما وراء ــ قصصية metafictional وأطروحة فلسفية عن الزمن، والإنسانية، وعالم غير البشر. بتعبير آخر، رواية تتحدى النوع؛ شيء ما حاوله فيوروكاوا على امتداد مسيرته الأدبية. وكان في عام 2002 قد "أعاد مزج" قصة الكاتب المعروف هاروكي موراكامي القصيرة لعام 1980،  "زورق بطيء إلى الصين"، وقام، في رواية عام 2015، "كتاب 300 امرأة خائنة"، بإعادة تفسير كلاسيكية القرن الحادي عشر، "حكاية جينجي"، مصوراً مؤلفها، ميوراساكي شيكيبو، كروح انتقامية.
وقد أصبح فيوروكاوا، بتحديه التقاليد الأدبية على نحوٍ ثابت، نجماً أدبياً متألقاً في اليابان. ففي عام 2002، مُنح جائزة كتّاب الغموض وجائزة الخيال العلمي في اليابان، وفي عام 2006 جائزة يوكيو ميشيما على قصته "حب"، وهي رواية معقدة يصفها الكاتب بأنها "قصة قصيرة عملاقة واحدة". وإجمالاً، فإن فيوروكاوا أصدر أكثر من 35 كتاباً. ومع أن بعض قصصه القصيرة، ومقالاته، وفصولاً من كتبٍ له قد تُرجمت إلى الانكليزية لمجلات أدبية، بضمنها ( شغل قرَدة في اليابان Japan’s Monkey Business )، فإن ( خيول، خيول ... ) هي ثاني رواية كاملة تُترجم له إلى الانكليزية.
وهي سيرة حياة، تبدأ كمذكرات مباشرة، لتنزلق إلى "ما وراء قصة" حين تعود فيها شخصيات من رواية فيوروكاوا 2008 المتمددة، (Seikazoku "العائلة المقدسة" )، ضمن السرد. ثم يتمحور الكتاب إلى تاريخ عسكري ياباني قبل العودة إلى مذكرات، تُكتب من منظور ضحايا كوارث 2011 من غير البشر. منظور حيوانات تخادع فيوروكاوا بانتظام.
يقول فيوروكاوا، " إن الروائيين لا يمكنهم أن يكتبوا على نحوٍ واقعي عن المجتمع البشري وهم في داخله. ولهذا أكتب من خلال عيون كلاب، قطط، أو خيول ــ حيوانات تعتمد على البشر من أجل وجودها ــ كي أصور الواقع بدقةٍ أكبر. كما أنني كي أكتب بواقعية عن الحاضر، أرى أننا بحاجة للنظر إليه من خلال عيون الماضي. فلو كتب شخص ياباني عن حروب القرن العشرين، فسوف يكتب من منظور ياباني. وسوف يكتب الأميركي من منظور أميركي والروسي من منظور روسي. وقد أردتُ تحاشي ذلك، نظراً لكون الواحد في هذه الحالة لا يرى الصورة الكاملة ".
أما رواية فيوروكاوا الأخرى التي تُرجمت إلى الانكليزية، ( بيلكا، لماذا لا تنبحين؟ )، فتروي التاريخ الحديث من وجهات نظر كلاب تم تدريبهم واستخدامهم في معارك الحرب. وعلى كل حال، فإن فيوروكاوا ليس مهتماً فقط بوجهات النظر غير البشرية، بل وبوجهات النظر التي أسكتها منتصرو التاريخ أيضاً. وهو يقول، "إن الأدب جزء من تاريخ البلد. وقد كُتب التاريخ من أجل أن يكون بوسع أولئك الذين في مواقع السلطة رواية نصّهم المتعلق بالكيفية التي ظهر بها بلدهم إلى الوجود. لكن هناك آخرون كثيرون لهم صوت إضافةً لأولئك الذين في السلطة. وأعتقد بأن من الأساسي تضمين الأدب عند كتابة تاريخ اليابان، لإعطاء وجهات النظر الأخرى صوتاً".
وبروايته ( خيول ... ) هذه، يُقر  فيوروكاوا بأنه يريد أن يحافظ على ذكرى مأساة زلزال 11/ 3  حيةً في الأذهان، قائلاً " وكل ما كنت أريده، بعد الزلزال مباشرة، أن يختفي الوظع الفظيع بأسرع ما يمكن. أما الآن، وبعد أن مر أكثر من خمس سنوات وبدأ الناس ينسون، فإني أريد أن أذكّر القراء بما حدث. أريد أن يشارك في معايشته كل القراء، سواء جاءوا من أميركا، أم من إنكلترة، أم من أستراليا أو من أي مكان آخر. فبإحيائنا معاً تلك التجربة، مرةً أخرى، ربما سيخرج شيء ما طيب من مثل تلك الكارثة المرعبة ".
ومن السهل أن ينسل المرء داخل رؤية فيوروكاوا العالمية في ( خيول .. ) بأوصافها غير العاطفية، الواقعية للكارثة:
[ آلة تسجيل محطمة مطروحة على الأرض؛ لا صوت يُسمع منها كما هو واضح. وقد انتشرت سيديات في كل مكان، صامتة أيضاً. واثنتا عشرة عصا غولف هنا وهناك تبدو أشبه بعكازات مشيٍ زرق ــ خضر لا أكثر. ونباتات مقتلعة من جذورها ــ جذور وفروع، انتُزعت جميعاً ــ ذبلت. أو، إن لم تكن ذبلت، ملوثة بوحلٍ بنّي اللون. وإلى أين ينبغي أن أذهب في وصفي لهذه الآلاف، عشرات الآلاف، من الأجزاء. وهي فقط البداية ].
وهناك، بالإضافة لأعماله الشخصية، نقاط تعاون مع فنانين آخرين. وهي طريقة أخرى، كما يرى، لتغيير وجهة النظر: " فإذا أنت لا تتصل بأناس آخرين، يستحيل أن تكتب بطريقة واقعية عن القضايا المعاصرة. وذلك هو السبب في أني أشعر بأن من المهم التفاعل مع الفنانين الآخرين؛ أن تكون على المسرح مع موسيقيين، وراقصين، ورسامين. فمن خلال هذا تفهم ماذا يعني أن تكون كاتباً، ويصير هؤلاء يفهمون ماذا يعني أن يكون الواحد روائياً".
وبالرغم من المعالجة المباشرة للانشغالات الاجتماعية مثل الطغيان والفساد، يؤمن فيوروكاوا، كما هو واضح، بقوة الفن التحريرية. فليست هناك من غاية في تأليف كتاب من دون أمل .. وأنا شخصياً أؤمن بأن ليست هناك من حاجة لتأليف كتاب لا يترك القارئ يشعر بالتشجيع أو الأمل في النهاية "، كما يقول.
 عن/ The Japan Times

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram