العفطة: فصيحة، هي اسم للصوت الخارج من بين الشفتين، وفي "لسان العرب": "عفط: يعفط عفطاً وعفطاناً، فهو عافط وعفط: ضرط".
وعند البغداديين هي لون من ألوان الشتيمة، أو ضمن درجاتها مثل السخرية والهزء والاعتراض والتحقير، على أنها تعبير شعبي موجز جداً، ويمثل موقف الضد من شخص أو جماعة أو موقفاً أو ظاهرة، وهي أيضاً من لغة الشارع العام وبلاغة الجمهور المحاصر الذي يختصر الكثير من الكلام بذلك الصوت، ويسميها أهل بغداد "الزيك" أيضاً، لكنني لم أصل إلى أصلها وسبب تسميتها "الزيك".
ولأنها لغة المقهورين فلا نكاد "نسمعها" في مجالس وصالونات "علية القوم" المتظاهرين بالوقار والكياسة والتهذيب، رغم أن بينهم الكثير من القتلة واللصوص والفاسدين الذين يفعلون، سراً أو جهراً، ما يندى له جبين حتى أراذل العامة.
وردت، لغةً، في خطبة الإمام علي بن أبي طالب، التي سميت "الشقشقية" في قوله: "أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم، هذه، أزهد من عفطة عنز".
ولم يسبق أحد علي بن أبي طالب في وضعها ضمن نص خطابي أو أدبي، حسب بحثي السريع، في أكثر من قاموس.
وبعد، لما مدح أبو بكر محمد بن الروح الشلبي الأمير إبراهيم بن يوسف بن تافشين (الدولة الفاطمية) بقصيدة منها: "أنا شاعرُ الدنيا وأنت أميرُها/فما لي لا يسري إلي سرورُها" وهي من قصائد التسول التي يزخر بها الشعر العربي، أشار الأمير إلى مضحكٍ له كان حاضراً أن يعفط له لقوله "أنا شاعرُ الدنيا" ففعل المضحك (عفط).
فقال له ابن الروح: على من عفطت؟ يعني أنه يحتمل أن يكون لقوله "أنا شاعرُ الدنيا" أو لقوله "أنت أميرها".
ففطن الأمير لمقصده وضحك وتغافل". (*)
ومن تاريخنا العراقي القريب، يروي المرحوم عبود الشالچي في كتابه القيم "موسوعة العذاب" عن المرحوم عبد المجيد الشاوي، عميد أسرة آلِ الشاوي، أنه اتخذ في مجلسه، ببغداد، ببغاء دربت على أنها إذا سمعت صرخة أو صوتاً عالياً، نفضت صاحب الصوت بـ "زيك" قوي، وحدث أن حضر في مجلس الشاوي رجل يلقبه الناس ببطل الفتنة، وكان سليط اللسان، ومن عادته أن يرفع صوته عالياً إذا تحدث، فما أن بدأ بالكلام حتى قاطعته الببغاء بـ "زيك" حاد قطع عليه كلامه، فسكت مغتاظاً، لكنه عاود الكلام بعد دقائق، وما أن رفع صوته حتى فاجأته الببغاء بـ"زيك" حاد آخر، فاشتد غيظه، ليعتذر إليه المرحوم الشاوي قائلاً: إن هذه الببغاء حيرتني. هي تسمع أذان المؤذن في الجامع القريب، منذ سنين، فلم تتعلم منه شيئاً، ولكن السيد محمد سعيد اقترب من قفصها وعفط ثلاث مرات فتعلمت منه العفاط، وأصبحت تكرره دائماً.
ومن تاريخنا العراقي الأقرب، بداية سبعينات القرن الماضي، ألقى صديقنا المرحوم وليد جمعة قصيدة، في أمسية من أماسي اتحاد الكتاب والأدباء، بساحة الأندلس، جاء فيها: "لوزير الداخلية/عفطةٌ قبل صباح الخير حتى!".
وهي أشهر عفطة في الشعر العراقي الحديث.
ومن المستغرب أنه لم يتعرض لأية مساءلة أو توقيف أو مضايقة، لكنه كان، قبل القصيدة، أحد ضحايا حملة خير الله طلفاح ووزير الداخلية آنذاك صالح مهدي عماش، عندما شرعا بصبغ سيقان الفتيات وحلق شعور الفتيان وفق موضة "الخنافس".
أكرر: لوزير الداخلية/عفطةٌ قبل صباح الخير حتى!.
(*) الشالچي، عبود، موسوعة العذاب، الجزء الأول-الدار العربية للموسوعات، بلا تاريخ.
عفطة!
[post-views]
نشر في: 8 أغسطس, 2016: 09:01 م