TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في مأتم صويحباتك

في مأتم صويحباتك

نشر في: 9 أغسطس, 2016: 09:01 م

خذيني الى مأتم صويحباتك، وأدخلي بي من بابه الصغيرة، احبّني واقفاً، دامعاً تحت كتيبته، ولتسقط أحرُفها الخرساءُ على قلبي، احبّني مفطور الكبد، محترقه، أريني خوخ وجناتهن وهنَّ يضربنه، كلما صاحت النادبة يا حسين: وأجعلي مثواي كل صدر تقاطعت الأصابعُ حمراءَ عليه، أنا صاحبك، منذ عشر، أمرّن يدي على رفقتك الى هناك، حيث الحائط طين والسقف قصب ولوح، وحيث تنسلُّ هانئة الأفاعي من الشقوق التي تبنت الشوك والحلفاء، في الزقاق الذي تسكنه الملائكة عشرة أيام في السنة وتغتسل القبّرات على جذوع شريعته كل مساء، فيما الآس مخروط الأوراق، مجردٌ من خضرته. إلى هناك  خذيني، حيث تجلس أمُّ فوزان وأمُّ طاهر، وبناتُ جيراننا يبعن الحمّص المسلوق والكماتيل.
   وخذيني ثانية وثالثة حتى تنقضي أيامُك العشرة، مجنون ثيابك السود وقصائدك انا، المأخوذ بكلِّ سطر خُطَّ بالقرمز في قراطيسك، المولودُ على فخذك، المضطجعُ على ردفك وهو ليّنٌ وهضيب، الصاعدُ، البالغُ خيط الوهم بين نهدك ونهدك، المترنحُ بين رائحة ابطك بالنعناع وبين جدائلك السُّود الندية، خذيني الى منبر النادبة وأذبحيني بمصحفها الجلد من الوريد الى الوريد، لا أريدني منشغلاً مع الصبية والولدان، وإن سألوك عن عمري قولي: مازال صغيراً، لم أطلعه على عورات النساء، اكشفي لهم عن شَعَرِ عانتي أنّى طلبوا منك ذلك، فأنا مجنون دمعك، الواقف بين أذرع صويحباتك، أبكي والطم مثلهن، هذا قلبي يَصدَّعُ بحبَّ الزينبات من آل هاشم وجعفر.
  أتوسل اليك خذيني، ولا تاخذك في ذلك لومةُ أبي، ما أنا بقادر على سقي زروعه، ولستُ ممن ياتمنه على نخله وأبقاره وسواقيه، ما زلت غير قادر على ذلك والله، أعبري بي نهرنا الذي يضيق بجسدك وانا، هذا صندوق التمر ساقلبه إن لم تأخذيني، وهذا نفنوفك الكودري، امزقهُ إن لم أسر معك الى هناك، أرحمي منابت دمعي، وتقهقري قنوطاً تحت نير توسلي، أنا مجنون رفقتك، مخبول وقوفك بين النسوة هناك، أريد أن أسبح في فضاء طيرانهن، أنا عصفورٌ من دمعٍ في الباحة الضيقة تلك، وإن كنتُ أفسدت عليك نواحك ذات يوم، فما أنا بعائد لفعلتي تلك، سآخذ من عطر أذرع صويحباتك ما يجعلني صامتاً، وسأشرب من ماء نحورهن ما يرويني ساعة يمسحنه بمناديلهن البيض، لا أريد منك عصير التمر ولا المنفرط من قرص الشمسن ولا حتى نصف صمونة السنبوسة بالأجار،  فهذا الضوء مازال ينسكب ويلتئم ثم ينكسب فلا يلتئم في قلبي. كل وجنة حمراء حديقة في الجنة لي، كل زندٍ بيضاء تحملني الى هناك، حيث يساقط مطرٌ كثيرٌ، وحيث يغتسل عندليب.
    تسابقني قوادمُ فرحي الى هناك، فلا تخذلني خطاي معك اليك، أسمّي الأيام، فلا يستوقفني أصبعٌ من أصابعي، ارسمُ الأهلةَ والسيوفَ والخيامَ، أجعلُ النخلةً وراء النهرِ، والنهرَ وراءَ الغيمةِ، والرملَ حاراً والماءَ بعيداً، بعيداً.. ومثل حصان تركه صاحبه ومات، أدركتني حيرتي وسقطت  أجنحة أملي، فلا أراك. تضيعين فأبكي، أبكي وتضيعين كثيراً، لا أحمل رقم عباءتك، ولا أحفظ عنك البحة التي بصوتك. موج أسود اخذك، حيث لا تنفع مني التفاتةٌ، ولا يُجدي صراخ وبكاء، ها أنا أسمع ارتطام العضد اللين بالعضد الأكثر ليناً، تقاطع الذراع الماكرة على الذراع الأقل مكراً، صلصلة النهد الباذخ بالنهد النّدي، استهانة الخاصرة في التماع الردف، وقوف الياسمين  في باحة الألم وتذكر المسرات..
   أنتظر ساعة تأخذ كل واحدة منهن مجلسها على الحصير الخوص، ساعة تفرغ النادبة من كتابها، كثير الصفحات، الطويل.. آنذاك، ساجدك غارقة بدمعك، ملومة تحت غابة شعرك. نفنوفك يكشف الطويل من ساقك وفخذك، نحرك أحمر وعيناك موحشتان.  فقير وبفانوس واحد بيت لا يبكي أحدٌ فيه الحسين، فخذيني بين أكفِّ صويحباتك الى شمع ليلتك الأخيرة ، هذه أكفٌّ لا يُدرك ظلامتها إلا الله.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram