TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "الأمانة" يابغداد

"الأمانة" يابغداد

نشر في: 12 أغسطس, 2016: 09:01 م

بغداد نبيلة كريمة مع عشاقها ،  تمنح حتى الوافدين اليها  من أبناء القرى حرية  الخوض في أعماقها شريطة  التزام الوافد الى المدينة باحترام مظاهرها . بموجب عقد الشراكة ارتبط الطرفان بعلاقة متينة ، جعلت الكثيرين يتبغددون لقناعتهم بأن العاصمة قادتهم برفق نحو عوالم اخرى، فجرت في مكامن نفوسهم التوق الى احتضان حضارة تمتد الى آلاف السنين ، نضارة وجوه أبناء القرى اكتسبوها من المدينة ، تخلوا عن لهجاتهم المحلية ، استعاروا مفردات جديدة  لعلها تضيف ملامح اخرى للتحضر.
بغداد الأمس حسناء  لم يعرف وجهها التجهم على الرغم من كل الكوارث  المسجلة في تاريخها القديم والحديث ، تطلق ابتساماتها بوجوه من أعجب بجمالها ، مظاهرها  المدنية  لها الريادة في المنطقة العربية ، دور السينما والمسارح ، المنتديات الليلية ، تختها الموسيقي الشرقي، مكتباتها مقاهيها الثقافية صالوناتها مشرعة الأبواب أمام  الباحثين عن الجمال والمعرفة .
الراحل  جبرا ابراهيم جبرا في معرض  تعليقه على قاص نشر اول  قصة قصيرة في مجلة اسبوعية مطلع الثمانينات  قال  للكاتب :" اتوقع لك مستقبلاً ادبياً كبيراً لأنك  أجدت التعامل مع المدينة بوصفها امرأة  على الرغم من احتفاظك بجلدك القروي ، علاقة ابن الريف بالمدينة وحدها تشكل مصدراً لأعمال أدبية قصصية او روائية ".
  في استعراض شخصي لسيرته المهنية ، سرد الجابي ناجي مطر تفاصيل عمله  في مصلحة نقل الركاب ، بدأ الحديث مع الأبناء والأحفاد عن "الأمانة" حمراء اللون  سواء كانت من طابق واحد او طابقين ، مفردة الأمانة ابتكار بغدادي تحيل من يسمعها الى  معاني الأمان الأمن الأمين، تبعث في  النفوس الشعور بالاطمئنان مع زهو كبير بما  كانت تقدمه الدولة من خدمات يوم كانت تحترم مواطنيها .
الأمانة في ذاكرة مطر كانت مظهراً بغدادياً بامتياز، جعلت من طابقها الثاني حيزاً خارج الأنظاريمنح العشاق فرصة خوض مغامرة الحصول على قبلة خاطفة ، او توجيه النظرات نحو  مناطق في جسد انثوي كشفها الميني جوب، ياااااااه  أطلقها الجابي المتقاعد ، كأنه يريد القول واحسرتاه ، ويمضي يسرد حكاية اخرى : ساعد  الجابي بأصغر نقد" كافي "  كتبت بخط احمر داخل الحافلات ، اعترض  المدافعون عن اللغة العربية بدءاً من اساتذة الجامعات الى معلمي المدارس الابتدائية على حذف التنوين فاضطرت مصلحة نقل الركاب  الى اعادة كتابة الجملة "ساعد الجابي  باصغر نقد كافٍ" حتى ترسخت في الأذهان .
مناسبة حديث الجابي مطر عن سيرته المهنية لإدراكه بأن بغداد اليوم ، تواجه بمفردها أعداءً يبغون اغتصابها او اختطافها لتكون رهينة  أفكارهم المظلمة ، من يدّعي حبها كاذب ، تحولت مساحاتها الخضر الى  ميادين تحمل شعارات وصور زعماء سياسيين ، حتى وقت قريب كانوا من سكان الكهوف ، غزاة  مدججون بأحدث الأسلحة ،ياااااااااااااه من سرق" الأمانة" يابغداد ؟؟  قالها الجابي ناجي مطر وتناول حبة علاج مرضه المزمن ، كان  الاعتراض على خطأ في اللغة  فرصة لترسيخ الصواب في  الحياة.
في سنوات سابقة أصدر البنك المركزي عملة  معدنية ارتكب فيها خطأً فادحاً حين حمل وجهها "500فلساً" فكتب أكاديمي في صحيفة محلية مقالاً بعنوان :" انهم يقتلون اللغة بـ 500 فلس " اضطر البنك الى سحب العملة المعدنية من التداول مقابل الحصول على دينارواحد  لمن يسلمها الى اقرب مصرف حكومي ، ياااااااااااااااه  من سرق "الأمانة" يا بغداد ،  مع علامة استفهام بقدرحجم المصيبة العراقية.     

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram