3-3
من أين كان للعائلات الذين تجمعوا في مجمع الليث في الكرادة في ليلة السبت على الأحد يوم 2 تموز الماضي أن تدري أن سفاحاً باسم الإسلام الوهابي الذي تربى عليه، هيأ صهريجاً محملاً بما لا يعلم حتى ربه به، بمادة سي فور، انتظر طوال النهار، حتى تغيب الشمس ويبدأ الناس بالاحتفال بعشاء الإفطار، ليسير بحمولته، هو المفخخ بالكره، ويفجرها وسط المجمع التجاري الكبير، لكي لا يقتل أكبر عدد ممكن من الشيعة وحسب (كما كان يظن) بل ليضرب مركزاً للراحة واللعب، مكاناً للاحتفاء بالحياة والجمال، مركزاً يجمع الناس بمختلف دياناتهم، من كل الأعمار (أطفالاً وشباباً وشيوخاً)، ومن كل جنس.أمس باريس مسرح باتاكلان، مركز الفنون والسهر، واليوم حي الكرادة داخل في بغداد. لقد وصلت رسالة الإرهاب. لا مكان للحياة في عالمنا، لا يهم، سواء كنا في أوروبا أم في العراق، سواء كنا في باريس أم في بغداد. حينما اقتحم المسلحون مسرح باتاكلان، أطلقوا النار على الشباب بشكل عشوائي، احتجزوهم رهائن لمدة ساعات وجهاً لوجه مع الموت، في مجمع الليث، عندما انفجر الصهريج، حاصرت النيران الناس هناك لمدة ثلاث ساعات (من الساعة الواحدة ليلاً وحتى الرابعة صباحاً)، يحترقون في جحيم سي فور. باريس بغداد. جحيم مسرح باتاكلان وجحيم مجمع الليث. لا مكان للحياة، تلك هي رسلة الإرهابيين، القتل العشوائي، في كل مكان تدب فيه الحياة، وإذا لم تصل رسالتهم في بغداد، وقبلها في باريس، فلماذا لا يعيدوا الكرة في نيس؟ السؤال الذي يطرح نفسه منذ ليلة 2 تموز 2016، لماذا لم تلوَّن الساحات في باريس وبرلين، في بروكسل ومدريد، في فيينا وأمستردام، في لندن ونيويورك وغيرها من عواصم العالم، بعلم العراق؟ لماذا (باستثناء أميركا وفرنسا) لم تصدر أية إدانة أو بيانات استنكار أو ولو إشارة بسيطة للحزن في أوروبا؟ هل قتلى الإرهاب في بغداد لا ينتمون إلى صنف البشر؟ هل موتهم رخيص إلى هذا الحدّ؟ من ناحيتي لا أدين الصمت وحسب، بل للمرة الأولى أخجل من كوني أحد مواطني هذه القارة: أوروبا التي تطلق على نفسها قارة عصر الأنوار، لأنني سواء شئت أم ابيت أنتمي إلى قارة تحولت العنصرية فيها إلى روتين يومي، العنصرية لا تطال الأحياء منا وحسب، كل أولئك الذين هم بلون بشرة بواتينغ، بسمرته واختلاف درجاتها غمقاً وانفتاحاً، بل تطالنا لعنة العنصرية حتى ونحن نواجه الموت.ولأن الشر كما هو القتل غريزة. أما الخير كما هو السلام فكرة وقناعات، موقف، فلكي يدين المرء الإرهاب في أوروبا، عليه أن يرفع صوته أيضاً ضد الإرهاب في كل مكان. ماذا لو قام كل واحد منا بفعل رمزي لكي يعلن موقفه المنحاز إلى جانب الخير. لماذا لا تقف الناس مثلاً في كل العالم دقيقة حداد لموت إنسان، من غير المهم لأي وطن ينتمي أو لأي دين، لأية قومية أو من أي لون. ألا نكون عبّرنا بهذا الشكل عن موقفنا الرافض للقتل، أليس بهذا الشكل نكون قد قطعنا الخطوة الأولى على طريق مكافحة الإرهاب ومنع القتل؟ أليست تلك هي الخطوة الأولى لإيقاف الحرب، أية حرب في كل مكان؟ أليست تلك هي الخطوة الأولى لإيقاف الإرهاب، أي إرهاب كان، سواء أكان إرهاب دول كبرى مثل أميركا وروسيا، ودول صغرى مثل السعودية وسوريا، تصنع بدورها إرهاب الدولة المعمّم ولا تقيم أدنى احترام لحياة البشر ومقدساتهم، أو كان إرهاب جماعات متطرفة كالقاعدة والدولة الإسلامية وبوكوحرام والشباب، إرهابان يتماهيان حتى لا يعود ما يفرق بينهما، الاثنان يغامران بالحياة البشرية (في قاموس الكبار موت المدنيين: خسائر ثانوية - كولوتورال شادين) ، ربما ما يفرقهما هو فقط: أن إرهاب الجماعات المتطرّفة رخيص الكلفة ولا يحتاج لطائرات مقاتلة وصواريخ وطائرات بدون طيّار وميزانيات داخلية ودفاع وتصدير سلاح وسجون؟ وإذا لم يتوقّف إرهاب الكبار (الاحتلال والقتل والاستبداد) فما هي احتمالات الخلاص من إرهاب الصغار؟
والآن؟ بعد حادثة الهجوم الإرهابي في نيس؟ ألم يحن الوقت لإدانة الأيديولوجية التي تسمح باسمها للمنظمات الإرهابية بهدر دماء الناس: الأيديولوجية الوهابية؟ أما حان الوقت لأن تضع الأمم المتحدة الإسلام السعودي/الوهابي على لائحة الإرهاب؟
أعرف أنها يوتوبيا، لكن أليست اليوتوبيا هي ما تجعلنا مصرين على الحياة؟ نحدق بالموت ونعرف: أن لا أمل لنا في الحياة غير السلام.
يُنشر بالتزامن مع صحيفة نويرتزوريشير تاتز الألمانية
السبت الدامي لبغداد
[post-views]
نشر في: 16 أغسطس, 2016: 09:01 م