ولماذا لا يحقّ لرئيس مجلس الوزراء إبداء رأيه في عمل السلطة القضائية؟ هل هي كهنوت لا يجوز المسّ بأطراف أردية رجاله؟ هل ثمة قانون يُحرّم على العراقي قول رأيه في عمل القضاء المحكوم بدستور يبيح لكل مواطن حرية التعبير عن رأيه، وفي إطارها حرية انتقاد الدولة بسلطاتها الثلاث؟
الدستور يفصل بين السلطات الثلاث ويمنع تدخّل الواحدة منها في شؤون الأخرى. نعم، هذا صحيح ، لكنّ التدخل معناه القيام بعمل من شأنه التأثير في السلطة المعنية بما يجعلها تتخذ قراراً أو موقفاً لا يتوافق مع قواعد عمل هذه السلطة. هذا لا يعني بأي حال منع المواطن العراقي، مسؤولاً كان أو من عامة الناس، من التفكير ثم التعبير عن رأيه في ما تقوم به أيّ من سلطات الدولة ، بما فيها السلطة القضائية.
إلى ما قبل سنتين كان رئيس الوزراء يتدخل على نحو مباشر في شؤون السلطة القضائية. هذا كان واضحاً من قرارات اتُّخِذتْ وحققتْ لرئيس الوزراء ذاك ما كان يريد، ما أعطى الانطباع بأنه هو الذي يوجه القضاء حيثما يرغب ويملي عليه اتخاذ قرارات تخدم سياساته التي قادت إلى كوارث. الذين يغمزون الآن من قناة السيد العبادي، تصريحاً أو تلميحاً، لأنه أعرب عن استفهام، وليس استنكاراً، بشأن أسرع قرار قضائي في تاريخ العراق، وربما العالم، لم تهتزّ لأحد منهم شعرة في شارب ولم تطرف له عين ( من حليقي الشوارب) يومذاك غيرة على السلطة القضائية واستقلالها!
التساؤل الذي طرحه السيد العبادي بشأن سرعة بتّ القضاء في قضية الاتهامات التي وجّهها وزير الدفاع إلى رئيس مجلس النواب تحت قبة المجلس، كان صدى، لم يكن قويّ النبرة في الواقع، لتساؤلات الشارع العراقي والإعلام العراقي في هذا الشأن. وعلى الدوام كانت السلطة القضائية، كما السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، موضع انتقاد من الرأي العام بسبب تقصير هذه السلطات جميعاً في تلبية حاجات الناس والاضطلاع بدورها الذي حدّده لها الدستور والقوانين والأنظمة الخاصة بها. ولو لم تكن هذه السلطات قد تواكلت عن تأدية مهامها ما كنّا قد انحدرنا الى هذه الهاوية، وهل ثمة هاوية أعمق مما نحن فيه من صراعات متوحشة على الهوية الطائفية ومن فساد إداري ومالي سافر لم يُبقِ للناس شيئاً ومن احتلال عصابات إرهابية لثلث مساحة العراق؟
لهذا كله كانت السلطة القضائية، إلى جانب سائر السلطات، محل انتقاد صاخب في الحركة الاحتجاجية المتواصلة منذ سنة ونيّف وفي وسائل الإعلام. مجلس القضاء الأعلى أقرّ بمشروعية هذا الانتقاد عندما طرح حزمة لإصلاح السلطة القضائية، لم نتبيّن بعدُ مصيرها!
السلطة القضائية، كما السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، سلطة من سلطات الدولة وليست سلطة فوق الدولة والمجتمع. هي ، كما غيرها، تصيب وتُخطئ، ومن الواجب انتقادها عن أخطائها، وهذا حقّ لكل الناس، مسؤولين وعوامّ، وحقّ للإعلام أيضاً، لا ينبغي مصادرته بذريعة الاستقلال والفصل بين السلطات. حتى في أكثر الدول ديمقراطية كبريطانيا تتعرض إجراءات سلطات التحقيق وقرارات القضاء للانتقاد، وفي حالات كثيرة أُعيدت التحقيقات والمحاكمات استجابة للنقد الموجّه من الرأي العام، ونحن لسنا أكثر ديمقراطية من بلد الديمقراطية الأول.
الذين أخذتهم الحميّة على السلطة القضائية واستقلالها عليهم أن ينصحوا هذه السلطة والسلطتين الأُخريين، التشريعية والتنفيذية، بالعمل بمسؤولية ونزاهة ومهنية ووطنية ليحيا العدل وتتحقق المساواة ويحلّ السلام في هذي البلاد المنكوبة الآن، كما في السابق، بحكّامها الذين تعوز الغالبية الساحقة منهم المسؤولية والنزاهة والمهنية والوطنية.
يحيا العدلُ !
[post-views]
نشر في: 19 أغسطس, 2016: 04:34 م
جميع التعليقات 1
بغداد
أستاذ عدنان حسين هذه الأبيات للأسود الدؤلي تضع النقاط على الحروف لماذا فساد القضاء في جمهورية دولة التنك والفافون (( لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلاّ لَهُ عَمَدٌ وَلا عِمادَ إِذا لَم ت