نكسة او نكبة او انتكاسة او خيبة الخامس من حزيران عام 1967 جعلت العرب يفقدون ثقتهم "شلع قلع" بالإعلام الرسمي، حيث اكتشفوا حجم أكاذيب الأنظمة، فبين ليلة وضحاها تحولت الانتصارات الى هزائم خلفت تداعيات سياسية لم تسفر عن تغيير في الأنظمة ، لكنها انتقلت الى أعمال أدبية وفنية ، تناولت النكسة النكبة بكل تفاصيلها . اما على المستوى الرسمي فلم تحرك شعرة واحدة من شوارب الزعماء العرب أصحاب السيادة والجلالة والسمو باستثناء تصاعد الحماسة في مؤتمرات القمة العربية تهدد العدو الصهيوني ، والخروج بتوصيات دعم الشعب الفلسطيني وحركة المقاومة ، ورفع شعار "كل شيء من اجل المعركة" .
فقدان الثقة بالإعلام العربي الرسمي وظفه الممثل السوري دريد لحام في اعماله المسرحية والتلفزيونية ، مقولته :"افتح الراديو على اذاعة مونت كارلو حتى نعرف اخبارنا" تداولها الجمهور بوصفها طرفة تحمل تلميح السخرية من الإعلام الرسمي المنشغل بتغطية نشاطات كبار المسؤولين وقادة الحزب الحاكم من أمينه العام الى اصغر رفيق استطاع بقدرته التنظيمية الفذة اقناع سكان القرى والأرياف وبدو الصحراء بالانضمام الى تنظيمه السياسي مع استعدادهم لمحاربة العدو الصهيوني.
مساء الخامس من حزيران بثت اذاعة اسرائيل الموجهة للعرب اغنية الراحل محمد عبد الوهاب "انسى الدنيا وريح بالك" مع اغنيات اخرى ، كأنها تريد ان تبعث برسائل للجمهور تحمل خطاباً إعلامياً آخر يخالف السائد عربياً بالشكل والمضمون ، وكان برنامج "حديث ابن الرافدين" يقدمه اليهودي العراقي سلمان دبّي باللهجة البغدادية يختتمه بحكاية ذات مغزى مع قوله : وهاي هي القصة اتفضلوا اسمعوها " البرنامج استمر لسنوات واستقطب اهتمام الجمهور على الرغم من انه يبث من اذاعة معادية او ما يعرف اليوم بالإعلام المضاد" .
ابن الرافدين سلمان دبّي توفي في عام 2002 . زوجته مارسيل المقيمة في العاصمة البريطانية لندن اتصلت بالناشر المختص بتاريخ اليهود العراقيين مازن لطيف لطبع كتاب يتضمن نصوص برنامج حديث ابن الرافدين بعنوان "هاي القصة تفضلوا اسمعوها " مع تفاصيل عن حياة الاذاعي وسر قدرته على استقطاب جمهور واسع من الجيل العراقي القديم.
نهاية سبعينات القرن الماضي وفي حلقة دراسية لتطوير المناهج العراقية بحضور اكبر مسؤول اقترح خبير تربوي الاستعانة بالمناهج الدراسية المعتمدة في المدارس الاسرائيلية لوضع ستراتيجية مستقبلية من شانها ان تسهم في تطوير التعليم في العراق ، المقترح اصاب الحاضرين بصدمة غير متوقعة ، منهم من اعترض وآخر عد الفكرة رضوخاً للعدو الصهيوني ، الخبير اضطر الى مغادرة العراق بعد ان اعد دراسة متكاملة جعلت جهاز المخابرات في ذلك الوقت يتوجه نحو طلاب قسم اللغة العبرية في كلية الآداب لاختيار من يرغب في العمل بموجب شروط محددة.
التعاطي مع الإعلام المضاد قضية شائكة في العراق ، هناك من يعتقد بأن الأهازيج وإطلاق الشتائم ستجبر الأعداء على الانبطاح ، وهاي هي القصة تفضلوا اسمعوها .
ابن الرافدين
[post-views]
نشر في: 20 أغسطس, 2016: 09:01 م