اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في لندن.. وفي بغداد!

في لندن.. وفي بغداد!

نشر في: 21 أغسطس, 2016: 05:46 م

في "كنزينغتن"، الحيّ  اللندني الصغير،هذه الأيام ضجّة بين أوساط النخبة المثقفة وأصحاب الاعمال الذين يقودون حملة مناهضة لمشروع " تطويري" أقرّه المجلس البلدي  لضاحية " كنزينغتن آند تشلسي" التي تُعدّ أصغر وأرقى ضواحي العاصمة البريطانية وأقربها إلى مركزها.
المشروع " التطويري" موضوع الضجة والاحتجاجات التي امتدّ نطاقها الى أوساط فنية وشعبية في ما وراء حدود هذه الضاحية ووجدت لها صدى في الصحف المحلية والوطنية، يهدف الى بناء مجمع سكني من 42 شقة وبيتاً. مشكلة هذا المشروع أنه يراد له أن يقام فوق وبجوار مبنى يمتدّ عمره إلى 90 سنة. لكن ليس عمر المبنى هو النقطة المركزية في الحملة التي تقودها نخبة الحي اللندني ويؤيدها 30 ألفاً من سكان الحي، فضلاً عن آخرين. المبنى هو لدار سينما تحتوي على سبع صالت عرض و1300 مقعد،  هي واحدة من سلسلة " أوديون" الشهيرة.
الأهم من هذا، أن دار السينما هذه كان يرتادها مخرج أفلام الرعب الشهير ألفريد هيتشكوك لمشاهدة العروض الأولى لأفلامه عندما سكن بعضاً من سنوات حياته في شارع " كرومول رود" المارّ بالحيّ، ونخبة الحيّ اللندني وسكانه ومؤيدوهم من خارجه، بمن فيهم ابنة هيتشكوك، باتريشيا هيتشكوك أوكونل، البالغة من العمر  88 سنة، يريدون الإبقاء على المبنى على حاله وتحويله إلى مركز للفنون يحمل اسم هيتشكوك إحياءً لذكراه وتقديراً لسيرته الفنية الحافلة وأفلامه المبهرة، وقد شكّلوا لهذه الغاية مجموعة "أصدقاء أوديون كنزينغتن".  
دار السينما هذه القائمة على الشارع الرئيس للحي اللندني، كانت إدارتها قد أغلقت أبوابها في نهاية آب من العام الماضي، تمهيداً في ما يبدو لإقامة المشروع الجديد، والشركة المكلفة بتنفيذ المشروع التطويري أكدت انها لا تخطط لإزالة المبنى القديم بالكامل، لكن هذا لا يرضي أصحاب الحملة الذين يصرون على الإبقاء على المبنى كما هو وحمايته بوصفه إرثاً عاماً.
في لندن مئات دور العرض السينمائي، وسنوياً تضاف دور وصالات عرض جديدة،  وما كان سيؤثر بأي مقدار إخراج واحدة من الدور القديمة من الخدمة، لكن لشخصية مثل هيتشكوك قيمة بالغة لدى الجمهور والسلطات البلدية والحكومية على حدّ سواء، وفي هذا يكمن سرّ حملة النخبة اللندية القوية من أجل الإبقاء على سينما أوديون في كنزينغتن.
في بغداد وسائر مدن البلاد تجري الآن مجزرة حقيقية في حقّ المباني التاريخية التي لم يبقّ لنا منها إلا النزر اليسير.. دور العرض السينمائي والمسرحي ومساكن الشخصيات التاريخية يوهب الكثير منها الآن بـ " بلاش" تقريباً إلى محدثي النعمة وسرّاق المال العام لتحويلها الى كراجات وورش عمل ومبان سكنية، فيما أمانة بغداد وسائر المديريات البلدية لا تكترث بالقيمة التراثية والتاريخية لها. ودار ساسون حسقيل شاهد على غفلة، أو تعمّد، المسؤولين البلديين إخراج المباني التراثية من قائمة المعالم التاريخية تسويغاً لمنحها الى "مستثمرين" جشعين بتواطؤ من موظفين بلديين أكثر جشعاً منهم.
الحكومة، ووزارة الثقافة والسياحة بالذات، مطالبتان باتخاذ قرارات تحفظ لنا ما تبقّى من شواهدنا التاريخية، فلا يجري تدميرها على وفق ما يجري  من تدمير حاضرنا ومستقبلنا، بفضل أحزاب الإسلام  السياسي المتصارعة كالضواري الجائعة على المال والسلطة والنفوذ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. محمد سعيد

    مقال اماني بالكامل ..هل الطبقة الحاكمة تقر اولا مسؤوليتها علي الحفاظ علي ارواح البشر التي تهدر يوميا في سوح الوغي . حتي تأخذها الغيرة للاهتمام بتاريخ البلد وأبنيته العريقة.. امثال دار ساسون او غيره . كلام يبدو خيال وخارج عن منطق ما يحدث من ما

  2. بغداد

    استاذ عدنان حسين اوف اوف والف مليون اوف انت دائماً تكتب مواضيع تحمل جميعها النُبُلْ والوطنية والأخلاص والدقة معاً حماك الله انت والكاتب القدير علي حسين تمتلكون اعلى درجات وأسمى معاني السرف والأخلاق في الدفاع عن تاريخ العراق وأصالة العاصمة بغداد العريقة ال

  3. ام رشا

    وكانك يا استاذ عدنان تعيش في المدينه الفاضلة مع احترامي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram