TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > طلفاح في البصرة

طلفاح في البصرة

نشر في: 22 أغسطس, 2016: 09:01 م

عاد طلفاح من قبره المشتعل ليفخخ مقاهي البصرة.
طلفاح عاد بسحنة جديدة: وضع عمامة وفخخ المقاهي والطريق إلى المقاهي والأقدام الحافية الراكضة إلى المقاهي.
طلفاح، بسحنته الجديدة، غاضب من بنات عاملات يكدحن لتحصيل قوتهن وخبز عوائلهن، وهن، بنظره، مارقات وخارجات على القانون ومجرمات وووو صفات أخرى تخدش الحياء وتفسد الكلام!المبرر لتفجير المقاهي في البصرة هو: المرأة ممنوعة من العمل!عصر طلفاح يستعاد اليوم في البصرة، أقصى جنوب الوطن وقد يبلغ أقصى شمال الوطن. طلفاح اليوم، أيتها السيدات والسادة، استمرار لتلك الحملة سيئة الصيت التي انطلقت بداية سبعينات القرن الماضي عندما حمل شرطة طلفاح البويا والفرش ولاحقوا أجمل شابات وشبان بغداد، طلبة جامعات وعاملات وموظفات وربات بيوت وطلاب ومثقفين ومراهقين وأبناء وبنات عوائل بغدادية شريفة لأنهن ولأنهم، فقط: لبسوا ما شاع من موضة أزياء وقصات شعر عادية، كما موضة تلك الأيام، وعلى العراقيين والعراقيات أن يعودوا إلى الصناديق المظلمة ومزارع الحيوانات ومحميات "الشرف الرفيع" الذي "يراق على جوانبه الدم" وهذا ما حدث بالضبط: أريق دم كثير منذ ومنذ ومنذ وحتى اليوم والغد وما بعد الغد. الروح العنيفة واحدة وهي تستلهم ما قبلها أو ما بعدها.
روح مشبعة بالهمجية والتخلف والفاشية، مهما تعددت الأربطة الأنيقة وغير الأنيقة والعمائم المسلحة وغير المسلحة، وهي تلاحق الناس في الشوارع والمقاهي، وحتى غرف النوم.
ثمة "فقه إسلامي" مخصوص يضع لوائح للمرأة والرجل (الأزواج طبعاً) يقرر لهما أشكال الحب والغزل والجماع وطريقة إتيان المرأة.. تأطير العاطفة الإنسانية على وفق ثقافة شرحبيل بن حسنة. طلفاح في البصرة، اليوم، يضع عمامة، سوداء أو بيضاء، على رأس فارغ إلا من الكراهية، بجبين باذنجاني وقلب بلا ضوء وروح بلا رحمة. العراق الجديد يأخذ من العراق القديم أسوأ ما فيه: ثقافة العنف وكراهية الآخر والحقد على الحياة.
طلفاح، بعمامته السوداء أو البيضاء، يترصد، اليوم، أبسط مظهر للحياة الإنسانية: مواطنون في "كافيه" تخدمهم بنات كادحات اخترن العمل الشريف مقابل العمل غير الشريف مما تؤديه الدولة، أو الحكومة، لا فرق، في الرئاسات ومواشيها (كتبت: حواشيها فصحح لي الآيباد: مواشيها!!).
الدولة مخترقة بالحكومة والحكومة مخترقة بالدولة، والاثنتان مخترقتان بمن هم لا دولة ولا حكومة، وما فضيحة الباقري النجفي إلا مثال فاقع على اللادولة.
بدلاً من دعم المرأة العراقية وتشجيعها على العمل، حتى لو كان تقديم فنجان قهوة لزبون عابر، يحتل طلفاح الجديد الرصيف ويغلق الشارع ويفجر المقهى، ويعيد الحياة إلى عصره المظلم.
يختزل طلفاح اليوم كل طلفاحات الأمس الذين خربوا حياتنا وصادروا أحلامنا وحرموا أطفالنا حتى من أن يكونوا عراقيين.
بناتي يخفن "العراق الجديد" وهن اللواتي يعشقنه حتى الهوس: بابا أعشق العراق ولكنني أخاف العراق. كيف لي أن أرى عماتي وبناتهن وأبناءهن وأزواجهم ليس في الفيسبوك والواتساب والفايبر؟أحلم، يا بابا، بزيارة بغداد. طلفاح المعمم لا يريدك، يا ابنتي، لأنك سافرة = سافلة.
طلفاح المعمم، في البصرة، يربي خلايا نائمة في كل مكان بالعراق. طلفاح البصرة يعود بسحنة جديدة أقسى وأخطر من خال صدام القديم الذي كان يكتفي بصبغ سيقان الفتيات وقص شعور الخنافس!طلفاح اليوم مفخخ وابن مفخخ وابن سطعش مفخخ. يا ابنتي، لن تري العراق، إذن، ولن تري عماتك ولا أبناءهن الذين هم في عمرك اليوم.. عمر القسوة والغياب والوطن المفخخ.
طلفاح البصرة الجديد بيّض وجه طلفاح القديم حرامي بغداد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram