TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > سلمان شكر.. :عزف منفرد على أوتار الخلود

سلمان شكر.. :عزف منفرد على أوتار الخلود

نشر في: 31 يناير, 2010: 06:05 م

موفق مكيشاهد العود، اول مرة، تحمله فتاة صغيرة، اختفت الفتاة بسرعة، وبقى العود في مخيلته، يذكره بحبه الاول.انجذب الى فرق الاناشيد المدرسية التي اسسها الرائد حنا بطرس، عازف النحاسيات وتعلم فيها العزف على عدة آلات. وحين اسس الشريف محيي الدين حيدر، معهد الفنون الجميلة سنة 1936 ، بعد ان جذب اليه الكثير من اصدقائه الموسيقيين العالميين، امثال ساندو آلبو، عازف الكمان، والبروفيسور جوليان هيرتز، معلم آلة البيانو،
 ومسعود جميل بك، معلم آلة الجلو، دخل سلمان شكر المعهد وهو في عمر 16 سنة، ودرس الموسيقى لمدة سنتين، ثم تركه لظروف خاصة به، وعاد الى مقاعد الدراسة واكمل دراسته بعد انقطاع أربع سنوات. سنة 1944، تخرج في المعهد، وتعين مدرساً فيه خلال السنة التالية. سلمان شكر، مواليد 1921، من المحظوظين القلائل في الشرق، الذين اتيحت لهم فرصة نادرة ليدرسوا على يد شخصية فريدة مثل الشريف محيي الدين حيدر. وقد اخذ عنه معرفة روح وفسلفة آلة العود، وطرق استنباط الموسيقى التراثية وعزف مقطوعاتها، باشكال مبتكرة حديثة، كان لتأثر وثقافة الشريف، بالعزف الغربي، وحبه لتكنيك العبقري الايطالي (باغانين) بالعزف على الكمان، والهنغاري الكبير فرانز لبست على البيانو، الوقع الكبير على اسلوبه الفني. وقد درس سلمان شكر، فيما بعد، طلابه بنفس الروحية التي ورثها من استاذه الشريف. قال سلمان شكر عن طريقة التدريس حينذاك: (لم يكن لدينا منهاج ثابت مكتوب، كان الشريف، الذي اخذنا عنه طريقته يعطي كل تلميذ، التمرين الذي يناسب قابليته، وليس بالضرورة، يعطي نفس التمرين لتلميذ آخر، فقابلية الطالب وسرعة تطوره، هما اساس منطلق الشريف في الاستمرار مع التلميذ) كان شكر، يكتب التمارين بنفسه، ولكل طالب على حدة، ثم يعزف التمرين مرتين امام الطالب، شارحاً بعض النقاط التي يراها مهمة اثناء العزف، وعندما يثبت الطالب جدارته في فهم وعزف التمرين، ينتقل سلمان شكر معه الى تمرين آخر. الف مقطوعات عديدة تساعد الطالب على تطوير امكانياته على ضوء ما يتعلم وقد برز من طلابه اللامعين، علي الامام ومعتز محمد صالح وحبيب العباس وحسام الجلبي. بقي شكر يدرس في معهد الفنون مدة 30 سنة، اخذ خلالها في تطوير وترسيخ ما اخذه من المعلم الكبير، وراح ينحو في تأليفاته، مناهج تجعل من العود، آلة منفردة (صولو) وليست آلة مصاحبة للمطرب، واهلها لمكانة لم تكن قد وصلت اليها من قبل قائلاً: ان عزفي، لا يقتصر على الصيغة المحددة، اذ اني اقوم ايضاً، بين الحين والاخر بعزف التقاسيم، والتقاسيم ماهي الا تآليف حرة من الايقاع، اذ انها آداب معينة) وذهب في دراسته عن اصول العزف على آلة العود، الى بحوث مشتركة بينه وبين البروفيسور البريطاني (جون هاي وود)، في جامعة انكليزية ، واستطاعوا تحقيق مدونة قديمة تعود الى العازف عبد القادر المراغي، الذي كتبها في الفترة التاريخية الواقعة بعد سقوط الدولة العباسية، وقد توصل سلمان شكر، الى عزف ما مدون في المخطوطة وكانت (بشرف ماهور كار) حسب دريد الخفاجي، ماجستير علوم موسيقية وعميد معهد الدراسات الموسيقية. الإنجاز الأكبر اخذ سلمان شكر يوسع من قدرة العود التعبيرية ويمنحه في مؤلفاته الاهتمام الاوسع، فقد كتب مع البروفيسور هاي وود، كونشيرتو العود مع الفرقة الاوركسترالية البريطانية وطبعت شركة دكا الشهيرة، اسطوانة بالعمل النادر، سنة 1978. وكان هذا اول عمل لآلة العود، يطبع على اسطوانة غربية ودخل العود بعد ذلك مجال الموسيقى العالمية، ما لفت الانظار في اوربا الى مؤلفاته وعزفه، وقد كتب المستشرق الفرنسي جان كلود شابريه فصلاً مفصلاً عن سلمان شكر في اطروحة دكتوراه عن الموسيقى الشرقية. توقيتات يمتاز اسلوب سلمان شكر في عزفه على العود، بالتهذيب العالي في استعماله الريشة والدقة المتناهية في مواضع الاصابع، وابتكار غير المألوف في التوقيتات، وهو يركز على تقنية الزحف اثناء الاداء، لتحميل الجملة الموسيقية قدرة تعبيرية اكبر، ويكثر، حسب دريد الخفاجي، من استعمال الزغردة، وهو الضغط على الوتر بخفة وتردد سريع، لاعطاء الجملة نكهة عاطفية، كل ذلك كان يحقق له الغنى في الاداء، والرصانة العالية في تأدية القطعة الموسيقية (لدي الحق في التفخيم والتشبيع والترقيم والزخرفة، على الا يخرج ذلك عن الاطار العام للموسيقى). كان للموسيقي الكبير سلمان شكر، شخصية متميزة، حرص على ان تكون في الموضع والمكانة اللائقة دائماً، وهو ذو قدرة كبيرة في الهيمنة على انتباه المستمع. أذهل الحاضرين، في آخر كونسيرت اقامه في بغداد سنة 2001، بلباقته ورشاقة عزفه وحضوره المذهل وسيطرته على المسرح وسط صمت ولهاث الجمهور المشدود الى حركات ريشته واصابعه على البورد. في نهاية احدى المقطوعات وقف سالم حسين وسط القاعة ونادى: (كنت فارس العود، وما زلت كذلك طوال الســــنين). وطلب منه عزف مقطوعة (سماعي عشاق) تأليف الشريف محيي الدين، وسرعان ما عزف سلمان شكر المقطوعة بدقة وروعة من دون الرجوع الى النوطة، اذ انه يحفظ عن ظهر قلب كل المدونات القديمة ويعزفها وكأنه يقرأ في النوطة، وهو يجيد التحدث باللغات: الفارسية والتركية والكردية والانكليزية ويكثر من السفر من اجل نشر رسالته الفنية، ويحرص على ايصال فنه الى المسارح العالمية، ويتمتع بنسيج تشامل من العلاقات الراقية مع الموسيقيين في جميع انحاء العالم، يروي الموسيقا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram