د. حسين الهنداوي«مــو حزنْلاﭽن حَزينمثل ما تنْكطع جوّه المطر شَدّة ياسمينلك مو حَزن، لاﭽن حزينمثل صندوك العرسينباع خردة عشك من تمضي السنينانَه كتلك مو حزنلاﭽن حزينمثل بلبل كعَد متْأخّرلكّه البستان كلهه إبْلَيّه تينمو حزن، لا مو حزنلاﭽن احبك من ﭽنت يَسْمر جنين»(مظفر النواب)
نقلة نوعية مثيرة تلك التي حققها الشعر الشعبي العراقي خلال النصف الثاني من القرن العشرين؛ نقلة قفزت به الى مصاف فن خاص متكامل بذاته وعلى درجة رفيعة من النضج والتسامي على صعيدي الشكل والمضمون. ويقيناً فان مظفر النواب هو الاسم الاكبر الذي يرتبط به هذا الانجاز الكبير.ان اهمية مظفر النواب في الواقع أكثر من استثنائية في هذا الشأن. فهي لا تقتصر على تحقيق هذه النقلة وحسب، انما ايضاً، وبجهد ذاتي وواع دائماً، في إنضاجها وتكريسها مأخوذاً في آن واحد بهم المفاعلة غير المبتسرة ما بين الحداثة والاصالة من جهة والعالمية والعراقية من جهة أخرى. ومعه سيجد الشعر الشعبي العراقي نفسه ولأول مرة في العصر الحديث محط اهتمام خارج العراق. فقد نجح هذا الشاعر في احداث قطيعة جمالية حاسمة مع الحالة الماضية. وبغياب دراسة شاملة رصينة ونقدية حول العبقرية النوابية في الشعر الشعبي، فان تأمل بعض قصائده كـ"شكد نده نكط" أو "حسن الشموس" أو "إبن ديرتنه حمد" أو "حـﭽـام البريس" يكفي لوحده في الكشف عن الجوانب الخاصة بهذه العبقرية لا سيما لجهة ثراءاتها المتعددة واعماقها الانسانية والجمالية. وربما يمكن القول - امام الصرح الذي ارساه هذا الشاعر- ان القصيدة الشعبية النوابية من العسير تجاوزها فنيا لفترة مهمة قادمة كما يبدو، لأسباب موضوعية كثيرة ابرزها غيابان: الاول هو غياب عبقرية شعرية جديدة تتجاوز فعلاً، أو في الأقل توازي، تلك التي إقترنت، بإعتراف واسع، بإسم الشاعر مظفر النواب، فيما يتمثل الثاني باستمرار غياب فسحة التنفس- التفاعل الضرورية لتجاوز كهذا نظراً للنزعة العدائية التي ثابر النظام البعثي في العراق، على التلويح بها ضد هذا الضرب من الفن وهي نزعة مستمرة بعد انهيار النظام البعثي ولحد الآن وتبدو انها ورثت منه اسوة ايضا بصنوها الذي شجعه النظام السابق ايضا والمتمثل بتشجيع الركيك والرطن من الشعر الشعبي المداح او البكاء والعديم المضامين الابداعية باي قدر كان. بيد ان التجربة النوابية ذاتها ما كان لها ان تحقق كل ذلك التألق لولا تأسسها على حصيلة فنية مثيرة هي ايضاً في هذا الميدان، سبقتها ومهدت لها. فشعر النواب وبالقدر الذي يعكس موهبة غاية في الخصب، ليس الا مجرد لحظة عليا، سامية ووفية، في سيرورة غاية في الاصالة الجمالية هي الاخرى، تمد جذورها بعيداً قبله. وبغض النظر عن ماهية الضرورات الموضوعية الأولى التي اوجدت الشعر الشعبي العراقي وأسست له، فان من المؤكد ان الهم الجمالي لم يفارق الشاعر الشعبي العراقي قط. فهذا الهم نجده جلياً وواعياً لدى معظم الذين سبقوا النواب في هذا الضرب من الابداع كمشيمش الاسدي وفدعه الخزرجي وعبد الامير طويرجاوي وابراهيم الشيخ حسون الهنداوي وصادق الفحام وعبد الحسين محي الدين ومحمد نصار وصاحب عبيد الحلي وعبد الامير الفتلاوي وحسين قسام وخصوصاً وقبلهم جميعا... ابي عسكور الحاج زاير بن علي بن جبر الدويجي، المشهور بـ "حجّي زاير".لا نعرف الكثير عن حياة حجي زاير. نعرف فقط انه ولد في بلدة برس، الحاضرة البابلية العريقة، والناحية التابعة لمحافظة النجف حاليا، التي عاش فيها معظم الوقت متنقلاً بين حين وآخر في زيارات قصيرة الى بعض مدن الفرات الاوسط لا سيما طويريج او الهندية والنجف والكفل في السنوات الاخيرة من حياته. ويذكر السيد جواد شبر عنه انه لم يكن يعرف القراءة والكتابة. وتشير مصادر اخرى انه ولد في عام 1277 هجرية وتوفي في 1329 (1909 ميلادية)، اي انه لم يعش سوى اكثر من خمسين عاماً بقليل تنتهي في اواخر العقد الاول من القرن العشرين. الا ان هذه التواريخ تتضارب مع معطيات اخرى تؤكد بانه عاش حتى اواسط العقد الثاني منه او بين 1860 و1919. حيث يذكر الخطيب الشيخ محمد الكاشي النجفي ان حجّي زاير حمل السلاح في معركة الشعيبة الى جانب الزعيم الاسلامي السيد محمد سعيد الحبوبي الذي قاد المجاهدين ضد القوات الانجليزية عندما حاصرت البصرة تمهيداً لاقتحامها في مطلع الحرب العالمية الاولى، وانه فرّ هارباً اثر انكسار المقاومة، فدخل الكوفة ليعيش فيها متخفياً فترة من الزمن. ويؤكد هذا المصدر ان بعض اشعار حجي زاير الوطنية التي تحث على مقاومة الاحتلال البريطاني للعراق كانت تردد في المجالس وعلى ألسنة المقاومين العراقيين ومن بينها قصيدة مطلعها:rnمن جسر والدين يرهب سوره وبالمكنزي احدود إله منطورهrnوعلى أية حال، ان المرجح لدينا هو ان حياة حجي زاير تزامنت مع العقود الستة الاخيرة من عمر الدولة العثمانية وهيمنتها الثقيلة على العراق. وبالتالي يكون انطفاؤه متقارباً مع اللحظة ذاتها التي شهدت سقوطها. في تلك الفترة
الحاج زاير وتأسيس فن
نشر في: 31 يناير, 2010: 06:09 م