كلّما شرعتُ في كتابة هذه الزاوية، لا أجد أمامي إلّا أخبار الأسى والألم. وفي مرّات قليلة أُحاول أن أتحايل على السوء وأبطاله، فأكتب عن تجارب الشعوب والكتب ،لأنّ الذي نعيشه مخيف، ومقلق، ونخشى ان يتحول الى واقع تعتاده الناس ، فيصبح خبر العثور على 20 جثة في مكبّات للنفايات في بغداد، أمراً طبيعياً، ما دمنا نتسابق مع سوريا على عدد المهجّرين، ونخشى أن نتراجع للمركز الثاني.
ولهذا كلما أُريد الكتابة أسال نفسي، ما ذنب القارئ المحاصر بخطب الطائفية ومناكفات الساسة وتوك شو البرلمان، أن أزيد طين الغمّ والهمّ بلّة جديدة.
بالامس 23 آب ، تمر ثمانية أعوام على إغتيال كامل شياع . فيما كان ساسة العراق الجدد ، يتسابقون على تقاسم الكعكة العراقية ، انصرف هو للبحث عن الخير الذي ينتظر البلاد في حال إيمان ساستها بالمستقبل، هذا المستقبل الذي لا يمكن بناؤه بأفكار معاد تصنيعها من منتجات الماضي.
ولأن الوطن، لم يكن بالنسبة لكامل شياع، وطناً بالمعنى المجرّد، ترسمه ذكريات وأحداث، ولا هو وطن، تُحدّده سياسات ومبادئ،وإنما الوطن كان بالمغامرة ، مغامرة ليست فقط في العيش في بلاد هي الأخطر وإنما في بلاد هي العشق، العشق الذي يحتّم علينا أن نبني هذه الارض ونصنع وجدانها وقيمها.هذه هي المغامرة التي قدّم كامل شياع حياته قربانا لها،مغامرة العيش في بغداد من جديد لاكتشاف سرّها.
ولهذا يُخطئ مَن يظنّ أنّ المعركة التي خاضها كامل شياع مع قوى الظلام هي معركة ثقافية أو فكرية، إنها باختصار معركة حول مستقبل هذه البلاد التي يريد لها البعض ، أن تفوح رائحة الدم من جوانبها كافة، ليس فقط عبر التكفير والقتل، وإنما هي مقدمة لجولة جديدة أوسع من الإرهاب وتكميم الأفواه.
يوم سمعتُ خبر اغتيال كامل شياع تساءلت وأنا أرى صورته تتوسط معظم الصحف ، هل شاهد القتلة ، الذي أمر والذي نفذ ، صورة الرجل،الأنيق صاحب الابتسامة المليئة بأحلام الحياة والمحبّة والحريّة؟
لكننا ياسادة في العراق ، الجرائم تتناسل، والقتلة ينامون مطمئنين، لاقانون يقتصّ منهم، فيما الجثث تتكاثر مثل الفساد والانتهازية والطائفية !
ولكثرة ما تكررت مشاهد القتل، اعتاد العراقيون مشاهد الجثث التي أصبح خبرها اليوم شيئا مالوفا. واذا كان مشهد رمي القتلى في مكبات النفاية أمرا عشائريا ، كما أخبرنا رئيس اللجنة الامنية لمحافظة بغداد، فلن يفاجئنا بعد اليوم مشهد الجثث المتفحمة، ورشّ الاطفال بالبنزين الحارق، ولا مشهد السياسيين الذين يتزاحمون على بثّ التفرقة والخراب، لأنّ منظر العراق الجديد لايكتمل من دونهم . هذا باختصار ماذا حدث بالضبط بعد ثماني سنوات على غياب ابتسامة الرجل الانيق .
ثماني سنوات من الجثث
[post-views]
نشر في: 23 أغسطس, 2016: 03:50 م
جميع التعليقات 2
بغداد
استاذ علي حسين بخصوص عملية اغتيال مستشار وزير الثقافة عام ٢٠٠٨ الكاتب والصحفي كامل شياع رحمه الله أصبح أمراً طبيعيا في عراق عصر البؤساء بعد عام النهب والقتل والسلب والأستهتار بأرواح العباد على ارض العراق عام ٢٠٠٣ منذ ان دنست بساطيل مرتزقة المارينز اللقطاء
محمد سلمان
الاستاذ العزيز ان مشروع الاستاذ كامل شياع كان اعادة بناء المدرسة العراقية واعادة بناء المجتمع الذي زرعت فيه الحروب والسياسات السابقة والاحقة كل عوامل التخلف وتمزيق العلاقات االاجتماعية وزرع بذور التخلف وهنا كل هذه الموءشرات كانت واضحة لديهً وعليه جاء