اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حين يزور مرسمك مدير متحف

حين يزور مرسمك مدير متحف

نشر في: 26 أغسطس, 2016: 09:01 م

استقبلني بقامته المديدة ووجهه المبتسم وهو يفتح ذراعيه مرحباً بي وسط المقهى التابع للمتحف، هكذا كان لقائي الأول بالدكتور خييرت براوكسما مدير متحف نينورد في مدينة ليك شمال هولندا. شخصية رائعة ويتمتع بجاذبية وبساطة في نفس الوقت، ويميل الى البوهيمية رغم أناقته الواضحة. جلسنا في مكتبه المليء بالأوراق والوثائق والأعمال الفنية لنتحدث عن المعرض الذي سيقام في المتحف منتصف الشهر القادم، حيث يشترك معي فيه اثنان من الرسامين الذين يعيشون في الشمال. كان هو قد أرسل لي رسالة يسألني فيها ان كانت لدي رغبة في الاشتراك بالمعرض، تحمست للفكرة وحددت موعداً للقائه في المتحف. وعلى الطريقة الهولندية سألني مداعباً وهو يبتسم (اعمالك رائعة، كيف يمكنك ان ترسم بهذا الجمال؟). مضت ساعة وانا اتحدث معه حول المعرض والفن بشكل عام، هو الذي يدير هذا المتحف الآن بعد ان أمضى ثماني عشرة سنة مديراً لمتحف باوتن بلاتس. وقد اتفقنا على ان يزورني في المرسم كي نختار معاً لوحات المعرض. زارني في مرسمي وبدا منشرحاً وهو يدخل الصالة التي علّقت فيها مجموعة كبيرة من لوحاتي. شَغَّلْتُ ماكنة تحضير القهوة، وبينما نحن بانتظار أن تجهز، اطلعنا على اللوحات وتحدثنا عن التفاصيل والتقنيات، اقترب من ثلاث لوحات بمناخ اخضر لم انتهِ منها تماماً، وجلس على الارضيّة وهو يتحسس سطوحها ويسألني عن التقنيات التي استعملتها، كان متحمساً وحساسيته الفنية تزداد سطوعاً كلما جال ببصره على تضاريس اللوحات. بعدها ونحن في طريقنا الى المرسم في الطابق الثاني، توقف قليلاً على السلَّم ليمرر أصابعه على اللوحات الطوال المعلقات هناك، وفي المرسم أُعجِبَ بمجموعة من البورتريهات قبل ان ينقل نظره ويتحدث بخبرة العارف عن تونات وتدرجات الأزرق في لوحة اندفاع في الأزرق المعلقة وسط المرسم، عندها مددت يدي لأسحب لفافة من الكانفاس، لنفتحها معاً وتظهر لوحة الأفق الأخضر للعشاق، وهي على امتداد أربعة أمتار مليئة بدرجات الأخضر والتركواز. بعد قليل صعدنا الى الطابق الثالث او العليّة حيث مجموعة من اللوحات التي رسمتها في أوقات سابقة، وكذلك مجموعتي من الاطارات النادرة التي يصل عددها الى ثلاثمئة إطار. هناك في الأعلى أعجبته مجموعة من البورتريهات التي رسمتها لبعض شعراء هولندا واتفقنا على أن تكون من ضمن لوحات المعرض. بعد لحظات انفتحت أسارير وجهه وانا أشير الي صندوق ملون ينتصب في احدى الزوايا، وقد فتحته لتظهر بداخله لوحة (الليلة الثالثة) على شكل طيات تشبه الكتاب، ويصل امتدادها الى ستة أمتار، وقد اخترناها ايضاً للمعرض. أخذت رائحة القهوة تتسلل درجات السلم لتصل إلينا، نحن الذين نسيناها في غمرة انشغالنا بالأزرق وتدرجاته. أخذنا بالنزول حيث بدت رائحة القهوة تختلط برائحة كعك التفاح وتقترب منّا اكثر. وبينما كنت أهمُّ بالدخول الى الصالة الكبيرة، دَلَفَ خييرت نحو اليمين حيث بعض اللوحات دائرية الحجوم، والتي وقف أمامها وهو يسألني عن المعالجات التي استعملتها في رسمها. بعد ان احتسينا القهوة احضرت ثلاثة كتب مختلفة حول أعمالي وسيرتي الذاتية وقدمتها له بكل امتنان. من خلال حديثي الطويل معه، عرفت أن براوكسما شخص عاشق ومحب للفن بل يعيش وسط الفن، سواء كان ذلك في المتحف او في بيته وسط مدينة خروننغن، والذي حوله الى مايشبه المتحف من فرط ما يحتويه من اعمال فنية عديدة ومهمة. مدهش ان التقي بهذا الانسان الجميل، مُحِبُ الفن وعاشق قهوة السنسيّو، وصانع المحبة بين من يعرفهم، هو الذي يُنَظِّمُ بين فترة واخرى دعوة عشاء وسط المدينة وفي الهواء الطلق، على مائدة تمتد لأمتار عديدة ليشغلها العديد من المعارف والاصدقاء. ودَّعته عند الباب، وقبل أن يقوم بتشغيل سيارته مدَّ رأسه نحوي وقال ضاحكاً(هذه السيارة ورثتها من امرأة أسمها يانكا فان خروننغن، وهي التي أسست متحف باوتن بلاتس) ثم أخرج نظارة صغيرة وهو يقول (هذه نظارتها، مازالت في السيارة، احتفظ بها كذكرى) ثم أردف بِعد ان نظر اليَّ قائلاً ( كانت عاشقة للفن وقد كَلَّفَتْ وقتها الرسام فاوت مولر ليرسم عملاً كبيراً على سقف بيتها) وهنا ذكر اسم مولر بصوت مرتفع لانه قد عرف بأني من أشد المعجبين بأعماله. ضحكنا من جديد وقلت له ان العالم يبدو صغيراً مع حدوث هذا النوع من المعجزات. أشار برأسه موافقاً ولوَّحَ بيده وهو ينطلق بسيارته التي بدأت تصغر وتختفي في الأفق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram