تصلح قصة الصبي مصطفى وجدان خلف، مثالاً نموذجياً لكيفية سحق المواطن البسيط الذي دائما ما يتحول الى متهم يطارده قانون قرقوشي، الصبي الذي هو واحد من آلاف الأطفال النازحين من مدنهم التي سلمها بعض الاشاوس لعصابات داعش، والذي قالوا إنه سرق أربع علب كبيرة من الكلينيكس، وجد نفسه يقف أمام قضاء يُجيد التفريق جيدا بين سرقة " ملياريّة " قام بها " المجاهد " وزير التجارة فلاح السوداني، وبين سرقة لم تتجاوز قيمتها الخمسة آلاف دينار، في الحالة الاولى كانت محكمة السماوة تزيّف العدالة وتضعها في خدمة الحكومة، وفي الحالة الثانية كانت العدالة تُستخدم كأداة للترهيب والاستعراض.
وما بين انتصار فلاح السوداني على القانون، ودموع الصبي المهجّر، ينحشر العراق الجديد، إذ تمضي عمليات تجريفه إنسانياً، وحرقه أخلاقياً، بحيث لا يبقى فيه إلا ناعقون وناعقات من عيّنة ببغاوات البرلمان
والآن يمكنك عزيزي القارئ أن تتخيل الدوافع البطولية التي تجعل القضاء يخوض معركة ضد صبي مشرّد من مدينته، تحت شعار ان لا أحد فوق القانون ، وهو شعار ظل متواريا في قضايا كثيرة ، ابرزها قضية الاسلحة المغشوشة، ومقاولات وزارة الكهرباء، والسرقات في وزارة الصحة، ونهب اكثر من 600 مليار دولار في وضح النهار، وتشريد خمسة ملايين مواطن من مدنهم.
ربما يعترض البعض ويقول ما لكم وأحكام القضاء، ألستم تطالبون بقضاء مستقل، وأقول وأؤكد أنّ أعزّ حلم عندي هو قيام دولة العدالة الاجتماعية التي يحكمها قانون صارم، لكنّ أكبر خوف عندي هو حال القانون في عراقنا الجديد. وسأظل أعتقد انه ليس من الشهامة ولا من المروءة ، ولا من العدل إلحاق الاذى بصبي صغير لمجرد خطأ بسيط ارتكبه، في الوقت الذي فتحنا الحدود لمن هرّبوا ثروات البلاد أمام سمع وبصر القانون، ليست مسألة قانون بل مسألة عدالة، لا مفرّ من تطبيق العدالة بمفهومها الحقيقي ضد كل من يخالف القانون أو يتواطأ في نشر الجريمة، الناس تتساءل؛ لماذا ينجو من العقاب الأشخاص المتورطون في قتل الابرياء؟، لماذا يعيش آمناً المسؤول الذي يعبث بأموال الدولة ويعدها مالا خاصا؟، لماذا يعيش المفسدون آمنين مطمئنين يتمتعون بما أغدقت عليهم مناصبهم من مال ورفاهية؟ أسئلة يطرحها الناس كل يوم وهم يقرأون ويشاهدون ويسمعون عن قضايا فساد ينجو أصحابها من سيف القانون.
كم هي محزنة أخبار هذه البلاد. إذا حدّثك أحد عن القانون خامرك شعور بالسخرية. وإذا حدّثك عن العدالة ، لم تستطع أن تضبط " عفّ....تك " وآسف للكلمة الأخيرة، لكني لم أجد غيرها تعبر عن الحال، الذي وصلنا أليه.
" كلينيكس " فلاح السوداني
[post-views]
نشر في: 27 أغسطس, 2016: 07:19 م
جميع التعليقات 4
د عادل على
الظاهر ان العراق يسبر فى طريق يؤدى الى بناء ولايات متحدة عراقيه مثلما حصل فى العراق فى 1963 ومحررة بلادنا فى 2003- THE USA تريد ان تجعل العراق الولايه الواحد والخمسين فى الولايات التحدة ---السراق الكبار لاخوف عليهم ولا هم يحزنون اما الصبيان ال
خليلو...
سارق السر يقطع سارق العلن !!!
بغداد
استاذ علي حسين الا تذكرك قصة الطفل البائس الفقير مصطفى وجدان خلف بقصة البؤساء ( لاميزيغاربل ) للروائي الفرنسي جان جاك روسو ؟! يجب على يمتلك قابلية كتابة الروايات التراديجية عليه ان يعمل معروفاً ويكتب لنا رواية عنوانها عراق البؤساء وجريمة قاضي ال
رمزي الحيدر
لا تتأسف على كلمتك الاخيرة ،فأنها في في مكانها وهي تشمل العملية السياسية بأجمعها وبقيادتها من أحزاب الاسلام السياسي.