بينما استغرقتنا أوروبا وأمريكا كثيراً، فكرياً وفنياً، واطلعنا على ترجمات جيدة، أو غير جيدة، لمغامرتهما العقلية، هناك، بقي جزء أوروبا الشمالي، بشقه الاسكندنافي، خاصة، عصياً على الوصول، فلم نعرف إلا اليسير اليسير من ثقافته القصية، تاريخاً وجغرافياً، حتى تصاغرت الارض، وهي الصغيرة أصلاً، لتصبح قرية أصغر، فاقتربت البشرية من بعضها، والشعر جسور.
السويد شمال الأرض البارد، حيث الثلج والظلام يغلف الزمن، تكتب الشعر وتنظر إلى الحياة والمستقبل، لكن ما وصلنا منها، أو ما وصلنا إليه نحن، اليسير اليسير، رغم تصاغر الأرض إلى قرية، اليوم، يعرف سكانها بعضهم بعضاً، ولكننا، نحن، نبقى البعيدين لا هم.
السويد تلك الدولة الأبرد والأهدأ والأكثر رحمة باللاجئين، وهي دولة الرفاهية والمياه، ليست كذلك كما يراها أبناؤها الشعراء عندما تستبد الوحشة والوحدة بروح الشاعر، لأن "الرفاهية" أمر نسبي، حيث توقد القصيدة شمعتها الصغيرة، غير مقتنعة بشموس العالم كلها.
يأتي كتاب "إطلالة من حواف النهائي-أنتلوجيا الشعر السويدي-من سبعينات القرن الماضي حتى العقد الأول من الألفية الثالثة" وتلكم ثلاثة عناوين للكتاب (إصدارات المدى 2009)، خطوة مخلصة، نحو التعرف على إخوة ومعارف هناك، عبر الشعر، خطاها مترجمان عراقيان هما جاسم محمد وإبراهيم عبد الملك، تعزيزاً لجهود سبقتهما، كما يقولان، لكنهما دقا الباب السويدي، عن قرب، ففتح لهما ماغنوس ويليام أولسن، مرحباً، مبدياً كل الدعم بأريحية الشاعر وطاقة الناقد وعاطفة السويدي الذي لا يخيفه الآخر بل يحتفي به، فأشرف وحرر وكتب دراسة غاية في الجمال والحرفية، عن السيرة الذاتية للشعر السويدي، متتبعاً المنبع حتى المصب، مشيراً، بموضوعية إلى المشكلات الجوهرية التي واجهت الثقافة السويدية، والشعر تحديداً، لغة وتجارب ومفاهيم، وعلاقتها بالثقافة الأوروبية والأمريكية، التي بدت مثل "الأخ الأكبر" بينما يحاول "الأصغر" اللحاق به بساقين غضّين، من دون الشعور بالدونية وإن عبر أولسن بطريقته عن تلك الفجوة، وهو الأعرف بشعاب مكته، قائلاً: "رنت السويد وأصغت دوماً، وكذلك القصيدة السويدية، من موقعهما على حافة أوروبا، إلى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وانكلترا. وحين تُروّج موضة شعرية في باريس لا يطول الأمر بالشعراء السويديين أكثر من عشرة أعوام، في أسوأ الأحوال، قبل التقاطها. ولذلك، من وجهة نظر أوروبية، لم يكن الشعر السويدي إلا آخر العنقود المتخلف عن الركب دوماً".
"آخر العنقود" هو المدلل، دوماً، ليتوّج أبرز شعراء السويد توماس ترانسترومر بجائزة نوبل، عام 2011.
مقدمة المترجمين، محمد وعبد الملك، هي الأخرى، إشارة إلى إشكالية الترجمة، خيانة لا بد منها، كما يشاع، مثلما شخصت النبرة الخافتة للقصيدة السويدية رغم صراخ الروح الشعري الذي تنوء به، وهي ترى إلى العالم بعينين كئيبتين.
تقديم الكتاب وضعه الكردي السوري سليم بركات، قراءةً احتفائية، أكثر منها نقدية بالشعر السويدي عربياً، في هذا الكتاب.
واحد وعشرون شاعرة وشاعراً، من بلد الفضة الباردة، أشاعوا دفء الشعر في ترجمة مخلصة، عبر عنها المترجمان بروح الوفاء لإقامتهما، حيث المنفى صار وطناً، ولم يعد الوطن الأم سوى مسقط للرأس، مهما علت رايات الوطنية.
الكتاب قديم، نعم. وهذا تقصيري الشخصي، إذ لم يتسن لي الحصول عليه، حتى أهداني الصديق الشاعر ابراهيم عبدالملك، أخيراً، نسخة ورقية عزيزة.
عند حافات النهائي.. شعر سويدي
[post-views]
نشر في: 29 أغسطس, 2016: 09:01 م