TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحياة لبيت الأحلام 2-3

الحياة لبيت الأحلام 2-3

نشر في: 30 أغسطس, 2016: 09:01 م

من أجل الحفاظ على بيت ساسون حسقيل في بغداد

لا أتذكر أن أحدا منا غامر بالدخول إلى بيت ساسون حسقيل الواقع على ضفاف نهر دجلة في قلب مدينة بغداد، حتى في أوقات سكرنا، وكانت كثيرة، أتذكر أيضاً أن أحدنا إذا أراد لفظ اسم صاحبه الأصلي، كان عليه أن يقول ذلك بصوت أقرب للهمس، إن لم يتحدث عن البيت دون ذكر الاسم، أتحدث هنا عن أعوام 1973 وبعدها، كانت السلطة البعثية قد أعدمت قبل ثلاث سنوات من ذلك التاريخ مواطنين عراقيين يهوداً وشيعة، بحجة التجسس لإسرائيل، وكان لفط اسم شخص يهودي في تلك الأيام يمكن أن يكون مثارا للشبهات، من غير المهم أن مالك البيت الأصلي مات قبل سنوات طويلة، من غير المهم أن صاحب البيت الذي قضى سنواته الأخيرة هناك لا علاقة له بدولة اسمها إسرائيل، وأنه مات في  باريس في 31آب/أغسطس 1932، قبل تأسيس إسرائيل هذه بستة عشر عاماً، بل من غير المهم، أن الرجل هذا عراقي حتى النخاع، ليس لأن الخاتون مسز غيرترود بيل، البريطانية التي رسمت العراق كما في خريطته الحالية، قالت عنه، "انه أقدر رجل في مجلس الوزراء، انه صلب قليلاً وينظر الى الامور من وجهه الحقوقي الدستوري دون ان يعطي اعتبارا كافيا لأحوال العراق المتأخرة لكنه حر ونزيه الى ابعد الحدود، وهو لايتمتع بالمقدرة الحقيقية فحسب، بل له خبرة واسعة"، أو لأنه وضع الحجر الأساس للاقتصاد العراقي وأرسى نظاماً مالياً وفق معايير دقيقة، أو لأنه كما تقول سجلات مفاوضات النفط مع الانكليز هو مَنْ "أشار على المفاوض العراقي اضافة كلمة (ذهب) على جملة (اربعة شلنات) عند احتساب عوائد النفط لكي يضمن استقرار نسبة العوائد"، أو لأنه شغل منصب وزير المالية 5 مرات في فترة الحكم الملكي، كأن كل الحكومات أجمعت على كفاءته ونزاهته، أو ليس لأنه مات ولم يملك شركات وحسابات مالية سرية مسجلة باسمه أو باسم أحد أفراد عائلته، بل أكثر من ذلك لأنه واحد من سياسيين عراقيين قليلين كلما تذكرهم الناس، كلما قالوا، "الله يذكره بالخير"، كما سمعت على لسان جدي عشرات المرات.
أنه ساسون حسقيل، أول وزير مالية عراقي (27 تشرين الأول 1920 في حكومة عبدالرحمن النقيب)، أو ساسون أفندي كما سماه العراقيون (البغاّدة بصورة خاصة) من مجايليه، الذي وُلد في بغداد في 17 مارس/آذار 1860، لأسرة يهودية بغدادية عريقة عرفت بالثروة والتجارة، وكان والده الحاخام حسقيل شلومو بنز عزار من رجال الدين اليهود المعروفين في العراق، من ينسى ساسون حسقيل، المواطن العالمي، الذي درس عام 1877 في اسطنبول، ثم مضى إلى العاصمة النمساوية فيينا ودرس في الاكاديمية القنصلية، وبعد تخرجه سافر إلى برلين ولندن، ثم عاد إلى إسطنبول ونال إجازة الحقوق، وعاد في بداية عام 1920 إلى بغداد، ليُعينه الملك فيصل الأول أول وزير مالية عراقي في حكومة عبدالرحمن النقيب في 27  تشرين الأول 1920، نعم من ينسى ساسون أفندي الذي لم تستطع كل الحكومات المتعاقبة محو اسمه عن البيت، ناهيك عن تجرئها هدم البيت؟!
البيت ظل مغلقاً سنوات طوال، كانت السلطة البعثية حائرة ماذا تعمل به، أو ربما فكرت أن الناس ستنسى مع مرور السنوات اسم مالكه الأصلي، خاصة بعد ترك البيت مغلقاً على مر عقود طويلة دون عناية.
 يُنشر المقال بالتزامن مع نشره في الصحفية الألمانية الذائعة الصيت فرانفكورتير الغماينة
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram