اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بين ضريحين

بين ضريحين

نشر في: 30 أغسطس, 2016: 09:01 م

ما أن دخلنا الفناء الواسع العريض لضريح الإمام علي الرضا بخراسان، واستقر بنا المقام، تحت إحدى الخوخات، على إحدى فواخر سجادات المشهد البهي، حتى قلتُ لزوجتي: إذهبي انت لزيارة الضريح، سأبقى حارساً لحقيبتنا، حتى عودتك. ذهبت، لكنها عادت، بعد دقائق قليلة، تولول، قائلة: أهذا هو الرضا؟ ضريح بمستوى الأرض، من دون شبّاك، ومن دون ذهب، وبقليل من الزائرين؟! تعجبتُ أنا أيضاً، لكني قلت: أبداً، فقد سبق لي أن رأيتُ المكانَ في التلفاز، وفي الصور ايضاً. ذهبت أنا وتركتها حارسة الحقيبة، كنت، تأكدت من إنها لم تصل الضريح بشباكه الذهب، في الحقيقة كانت قد توقفت عند ضريح الشيخ البهائي، ليس بعيداً عن ضريح الإمام، حين رأت بعض النسوة يطفن عنده.
أسوق هذه، لأقول: معلوم، أن البهائية كدين، خرجت تماماً من فقه وتعاليم الدين الإسلامي، وأسس مشايخُها ديناً جديداً، يختلف عن الدين القديم، لكنني توقفت عند فكرة التسامح الديني، عند الإيرانيين. الفكرة  التي أبقت على ضريح الشيخ البهائي لصق ضريح الإمام، السلطان علي بن موسى الرضا. أمر لافت للنظر، حقاً، ساعة نتحدث عن التشدد الذي تمارسه الوهابية وداعش وبعض الوعاظ في الخليج، مع أن البعض سيتوقف عند الرواية التي تقول بوجود قبر الخليفة هارون الرشيد في المدينة هذه، لكنَّ ما رأيته، كان اكبر من ذلك بكثير، فقد تيقنت بأن قضية السياحة هي المقدمة، في فكرة بناء الأضرحة بما فيها ضريح الإمام الرضا.
مدهش وجميل، وحضاري أيضاً، أنْ يتحول قبر الشاعر، الفيلسوف، عالم اللغة مزاراً، ضريحاً يُبنى ويُوسّع ويُذهّب، او يُفضض، ويقصده العامة والخاصة، هذا ما رأيته في إيران، كان ضريح الشاعر عمر الخيام، في نيسابور لا يبعد سوى أمتار معدودة عن ضريح السيد المحروقي، وهي بحسب الرواية، باسم [إبراهيم بن لزيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب، هكذا، ومن سبقت له زيارة الخيام، سيجد أن النصب والحدائق المحيطة به، والطرقات المؤدية اليه حديقة كبيرة وبورود كثيرة، وأن الممرات التي تُفضي لضريح الشاعر من الاناقة والجمال والاحتفاء، بما لم يحظَ به إمام من أئمة الشيعة في حياته، وهنا، نستبعد فكرة التقديس التي تلزم التابع بالبكاء والندب واللطم ونذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ أن التمتع بالمكان والاحتفال بالورد والزهر والنيلوفر أصدق في بعض حالاته من كثير مما يمارسه البعض.
سبق لي أن زرت المملكة السعودية مرتين، ودخلت الحرمين المكي والنبوي وتعرفت، وعن قرب على جانب من الحياة هناك، لكنَّ ما رأيته في إيران امتع وأجمل وأرقَّ وأرقى. ومع تذمري من موظفي الحدود الايرانيين أقول الشعب الايراني شعب يحتفل بالجمال وهو بسيط ويتمتع بروح سياحية ومعني بالحياة، على خلاف ما شاهدته، وما هو معروف هناك، في المملكة. أيكون ذلك من أفعال الطبيعة؟
 كانت طريق العودة من نيسابور- هم يقولون نيشابور- إلى مشهد، وانا أقول خراسان، فيصحح سائق التاكسي لي قائلا: هنالك ثلاثة أمكنة كلها تسمّى خراسان، فهي من السعة والتوسع والجمال بما يفوق خراسان التي في ذاكرتنا التاريخية، كانت الطريق ورداً وخضرة تفوق الوصف، يتفنن أهل خراسان بزراعته، فهم يلونون الطرقات به، يزرعونه في كل مكان، ويسقونه بالماء الشهد الزلال. تقول زوجتي التي رافقتني الى هناك:إن أهل مشهد لا يكتفون بزراعة الورد في ساحاتهم وعلى جانبي الطرقات، هم يرسمونه على حياطينهم وجدران مدارسهم وبيوتهم. فأقول: أيما والله، وانا أتطلع من نافذة السيارة التي أقلتني عائداً إلى البصرة، ليت قومي يعلمون.      

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. صفاء

    نود اعلامكم ان الشيخ البهائي مسلم وليس له علاقه بالدين البهائي لطفا.

  2. أبو أثير

    أنهم يزرعون الورود والخضرة في مدنهم وقراهم ...ويصدرون الينا الميليشيات والتطرف والغلو والبكاء والنحيب واللطم وضرب القامات والبدع ألأخرى .... لماذا ..؟؟؟ سؤال موجه للشعب العراقي .....!!!!

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram