إذا كان ثمة منجز ذو قيمة واعتبار حققته وزارة الثقافة في السنتين الأخيرتين، بل على مدى ما يزيد على عشر سنوات، فهو "جائزة الإبداع العراقي" التي أطلقتها الوزارة في العام الماضي، ووسّعت من مجالاتها في العام الحالي.
دولة ما بعد 2003 تعاملت مع الثقافة ووزارتها بوصفهما مستعمرة جذام، فكانت تخصّص للوزارة الفضلات من موازناتها التي تجاوزت في بعض السنين 120 مليار دولار، فيما عهدت بإدارتها طوال السنين العشر تلك الى فضلات الطبقة السياسية الحاكمة، فكان أن تحوّلت الوزارة الى واحدة من بؤر الفساد الكبيرة في هذه الدولة.
جائزة الإبداع اجتازت اختبارها الأول بنجاح، والمؤمل أن تجتاز اختبارها الثاني في دورة هذا العام بنجاح أكبر.
الإبداع لا ينحصر بحقول الأدب والموسيقى والسينما والفن التشكيلي والدراسات الإنسانية والتمثيل والترجمة والتصوير الفوتوغرافي. الإعلام هو الآخر فيه إبداع في حقوله المختلفة: الصحافة، المكتوبة والإلكترونية، والتلفزيون والإذاعة. نحن الآن أحوج ما نكون إلى دعم الإبداع في مجال الإعلام، فإعلامنا المحلي تطغى عليه السطحية والمباشرة، فيما المرحلة تتطلب إعلاماً وطنياً رصيناً. تخصيص جوائز للإبداع في حقول الإعلام المختلفة من شأنه الارتقاء بمستوى الإعلام الوطني.
ليست وزارة الثقافة هي المعنيّة بجائزة الإبداع الإعلام. هيئة الإعلام والاتصالات هي الأجدر بتنظيمها، فهذا من صلب واجباتها استناداً الى القانون الذي تعمل به. الأمر رقم 65 (2014) الذي أنشأت به سلطةُ الائتلاف الموقتة هيئة الإعلام والاتصالات، جعل من أغراض تشكيل الهيئة "تعزيز وحماية حرية الإعلام، ومساعدة أجهزة الإعلام في العراق على تطـوير وتقويـة الممارسات المهنية في مجال العمل والحفاظ على تلك الممارسات التي تعمل على تقويـة دور الرقابة الذي تقوم به أجهزة الإعلام لرعاية المصلحة العامة". كما جعل من مهامّ الهيئة: "تشجيع الصحافة على ممارسة حرية التعبير والسلوك المهني السليم، عـن طريق التعاون مع الأُسرة الصحافية العراقية لتطوير مدونة السلوك الأخلاقي للصحفيين، والتشاور مع مندوبي الصحافة ومع اتحادات الصحفيين المحترفين ذات العلاقة من أجل تطوير وتطبيق نظام الرقابة الذاتية لتنفيذ نصوص مدونة السلوك الأخلاقي".
في العديد من بلدان العالم هيئات تنظِّم المسابقات السنوية لأفضل الاعمال الصحفية والإعلامية، وتقدّم الجوائز القيّمة للأعمال المميزة المتوافرة على الشروط المهنية. وبعض الجوائز يتحدّد في مجال فرعي معيّن، كالصحافة الاستقصائية.
هيئة الإعلام والاتصالات هيئة ثرية جداً بعوائدها المليارية، ومبلغ ربع مليون دولار لا يمثّل سوى نقطة في بحر ثروة الهيئة. ربع المليون دولار هذا إذا ما خُصِّص لجائزة سنوية باسم جائزة الإبداع الإعلامي، يمكنه أن يُحدث، في غضون بضع سنوات، نقلة نوعية في العمل الإعلامي الوطني.
يستحقّ الإعلاميون العراقيون أن تُكرِّم الدولة المبدعين منهم بمثل هذا المبلغ الضئيل، ويستحقّ هدف ترقية الإعلام الوطني وترصين مهنيته إنفاق هذا المبلغ الذي لا يمثّل سوى شعرة من جلد خنزير الفساد الإداري والمالي في جهاز الدولة البيروقراطي.
adnan.h@almadapaper.net