قبل انتقالها الى مدينة الثورة كانت عائلة المرحوم عودة سلمان، تسكن في شبه بيت يقع في كراج النهضة الحالي تحيطه مقابر اليهود ، مقابل البيت كان معمل انتاح الصمون الابيض يوفر للاهالي في الصباح الباكر فطورا يكسر قاعدة الخبز والشاي بصمونة بيضاء كان سعرها ستة فلوس.
عودة سلمان مع نجله الأكبر المرحوم محسن ابو علاء امتهنا بيع النفط بعربة صغيرة تُدفع باليد لقدرتها على الدخول إلى أزقة بغداد الضيقة . قبل حلول موعد غروب الشمس يعود ابو محسن الى بيته فيجد في بيته ضيوف أبناء شقيق زوجته المرحومة فطيم ، قدِمُوا من أطراف مدينة الحرية ، لينضمّوا الى عبدالستار واسماعيل عودة سلمان ليشكلوا فريق استطلاع للتعرف على معالم بغداد، يقود الفريق الفتى الأكبر عبدالستار ، وتحت إمرته تبدأ الجولة بسينما الفردوس وتنتهي في ساحة الأمة في الباب الشرقي .
في المساء ينشغل الضيوف الصغار بتصفح مجلات سمير وميكي، أحد الضيوف في السابعة من عمره ، كان يرغب في اختزال زمن ليل الشتاء الطويل ليقرِّب موعد تناول الصمونة مع الشاي فيدس جسمه في فراش دافىء لعله يستسلم للنوم ، حديث العائلة المتواصل كان يدور حول اختيار مكان وضع الخزينة في البيت الجديد بمدينة الثورة. الاهتمام بالخزينة ، حفز حواس المستمع مع بروز سؤال في مخيلته حول حقيقة امتلاك بيت عمته خزينة ، خصوصا انه سمع خرخشة الدراهم في جيب المرحوم عودة ابو محسن.
انتهت الزيارة الاسبوعية لبيت العمة فطيم ، لكن السؤال عن سر الخزينة ظل عالقاً في ذهن ابن السابعة ، حين طرحه أمام عائلته لم يُجبه أحد فأجّل البحث عن سره الى الزيارة الثانية ، ووقع اختياره على البنت الوسطى من بنات عمته للاجابة على سؤاله عن الخزينة ومحتوياتها مع قرب العد التنازلي لحلول موعد الزيارة الاسبوعية ، رجّح احتمال ان تكون الخزينة من ممتلكات اليهود تركوها في مكان ما ، عثر عليها المرحوم عودة سلمان ليسلمها فيما بعد الى أصحابها ، الاحتمال وارد جدا، لأن ابا محسن وحتى بعد عثوره على الكنز واصل دفع عربته مع نجله الأكبر ليوفر لعائلته الرزق الحلال .
انتقلت العائلة الى مدينة الثورة داخل ، كبر الأبناء وتغيرت الاحوال ، في اول زيارة الى البيت الجديد ، فضحت البنت الكبرى ام حميد والدة التشكيلي ابراهيم رشيد والمسرحي كريم رشيد سر الخزينة ، وسط ضحكات الابناء والبنات ، قادت الباحث عن الخزينة الى باحة المنزل الامامية ، وقالت له انظر ماذا ترى ؟ لا يوجد إلا غطاء بالوعة ، هذه هي الخزينة .
الثورة المدينة هذه الايام أعاد أبناؤها من كُتّاب وأدباء وفنانين استذكار أحداثها ورموزها وشخصياتها، عبر صفحات التواصل الاجتماعي ، مَن عرف المدينة تفاعل مع هذا النشاط. فللمرة الاولى في التاريخ يندحر القول الشائع "الثورة تأكل أبناءها" على الرغم من ان كلمة الثورة المكان غير معنية بهذا الأمر ، مع انها تتصدَّر المدن العراقية في تقديم العدد الأكبر من الضحايا جراء الصراعات السياسية واضطراب الأوضاع في العراق واندلاع الحروب.
رابطة مبدعي مدينة الثورة قدَّمت للجيل الجديد أحداث السنوات البعيدة الماضية ، تستحق ان تخرج من صفحات التواصل الاجتماعي الى مديات أوسع ، للاهتمام بمدن عراقية خضعت للتهميش المقصود ، لكنها دوماً في الصدارة.
الأبناء يستذكرون"ثورتهم"
[post-views]
نشر في: 31 أغسطس, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 1
أبو أثير
لقد صدقت ياسيدي عندما تقول أن الثورة تأكل أبناؤها .... فسكان الثورة أول اللاطمين في كل عزاء يحصل في العراق .... فراجع التأريخ قليلا الى الوراء والى حقبة ثورة تموز فالكل في الثورة أصبح قاسميا ثم في وقت الدكتاتور صدام أصبحت الثورة مرتع الرفاق وأصدقاء القائد