اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > الحاضرة في العراق.. مدن بلا مساجد

الحاضرة في العراق.. مدن بلا مساجد

نشر في: 3 سبتمبر, 2016: 12:01 ص

" مررت بدير فيه راهبة، فقلت لها هل يوجد هنا مكان طاهر أصلي فيه؟ فقالت طهر قلبك وصلّ حيث شئت !" الصوفي أبو يزيد البسطامي . في البدء لابد من التنويه الى الفرق بين المسجد والجامع، وأن الاول هو موضوع المقال هنا وليس الثاني. فالمسجد هو المكان المخصص

" مررت بدير فيه راهبة، فقلت لها هل يوجد هنا مكان طاهر أصلي فيه؟ فقالت طهر قلبك وصلّ حيث شئت !" الصوفي أبو يزيد البسطامي .
 في البدء لابد من التنويه الى الفرق بين المسجد والجامع، وأن الاول هو موضوع المقال هنا وليس الثاني. فالمسجد هو المكان المخصص لاداء فريضة الصلاة بالاساس، وبالرغم من اشتمال الصلاة على أجزاء مختلفة كالإقامة والركوع وغيرها إلا أن المسجد اشتق اسمه من السجود خاصة دون غيره، ربما لالتصاق الساجد بالارض. واذا ما اشتمل المسجد على صلاة الجمعة لمركزيته في المدينة او بعضها تحول الى جامع أو مسجد جامع. فالمسجد هو الاصل في تأريخ المبنى، والجامع مرحلة متأخرة . كما أن المسجد مكان ( مبني او غير مبني ) لايختص بديانة معينة.

تتركز وظيفة المسجد أساسا ً حول العلاقة بين العابد والمعبود، بين المصلي والإله، وامكانية ايجاد المكان المناسب لاداء هذه الفعالية والتي هي نفسية روحية في الاساس، وكل مايضاف اليها من تسهيلات وتجهيزات مادية هي مجرد وسائل لتيسير اقامة هذه الفعالية يمكن التخلي عنها تماما ً واقامة هذه الفعالية بعيدا ً عنها كلها ولو تطلب الامر اقامتها في صحراء لاحدود لها أو في جحر ضيق أو قعر سجن يسع جسد المصلي لاغير.
كما أن كل الفعاليات الاخرى التي تمت أضافتها الى الصلاة في المسجد هي فعاليات تأتي بالدرجة الثانية برغم أهمية بعضها كالتعليم والدراسة والدعوة الدينية والاستضافة وربما القضاء وادارة بعض الامور اليومية وغيرها. وتشير تواريخ المساجد الى اضافة هذه الفعاليات في أزمان معينة، ثم فصلها عنها في أزمان أخرى تبعا ً للمؤثرات الخارجية السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. وينطبق هذا الامر على المساجد والمعابد في كل الديانات على اختلافها.
فمتى يكون المسجد مسجدا ً؟ وماهي الامور الاساسية التي ينبغي توفرها فيه كي يصدق عليه مفهوم المسجد؟ وماهي طبيعة المساجد في العراق بصورة عامة؟ وماهو واقع حالها الان؟ وهل تتضمن مدننا حاليا – برغم كثرة المساجد فيها – مساجد نقية؟
أن اولى  ميزات المسجد وكما ذكر في البدء أنه لإقامة عمل روحي بين المصلي والإله، لذا فهو مكان حضري له من العمومية والشمولية ما ليس لغيره من الاماكن ذلك أنه يتعدى حتى صلاحية المجتمع ذاته لتعديه الفعاليات الاجتماعية المتعلقة بما بين أفراد المجتمع فقط. وبالرغم من تداخل هذا  المفهوم مع العقائد الدينية والسياسة فإنه لابد من الاشارة اليه لأهميته في تبيان تركيبة المسجد الفكرية وما يكمن فيها والذي ينعكس بشكل واضح على تركيبته المعمارية وموقعه في التخطيط الحضري للمدينة. فالمسجد وإن أنشئ من قبل دين معين أو مذهب معين فإن من المفترض أن يتضمن من السعة مايتقبل صلاة المذاهب الاخرى بل وحتى الاديان الاخرى، بل وأكثر من ذلك أن يتقبل حضور من لايحمل العقائد نفسها التي أنشئ المسجد عليها. على أن يكون هذا الحضور غير محدد ومقيد بما يفرضه منشئ المسجد ومديره او المنتفع به. وأن يكون هذا الحضور مصاحبا براحة من قبل المستخدم وباحترامه في آن واحد.
ان هذه الميزة لوحدها كافية لتنسف مفهوم المسجد في الغالبية العظمى وربما في كل المساجد الموجودة حاليا في العراق من أقصى شماله وحتى أدنى جنوبه، ويمكن ملاحظة هذه الميزة في مساجد دول مجاورة  أخرى وبالخصوص دول الخليج. فلا يدخل المرء هذه المساجد الا ويحس بشيء  من التحديد والخصوصية وعدم الانتماء للمكان او عدم القدرة على التآلف معه بسهولة، بل وربما الرهبة وشيء من التخوف Phobia . كل هذه التفاعلات لاتمت بصلة لمفهوم المسجد كمكان بل تتعارض معه بشكل فاضح وتحطم الركائز الفكرية التي يستند عليها تصميم المسجد وتخطيطه.
ان المكان الذي يصمم ليكون عاما ً ثم يحدد بشكل واضح يفقده عموميته، يناقض نفسه والمفهوم الذي وجد من أجله، وبذا فإن المكان ينفي نفسه أحيانا. وهذا ما يحدث مع المسجد فإنه مكان يصمم في الأساس لتيسير علاقة المرء بالإله، لكنه يعود فيحدد هذه الفعالية بمحددات شتى يفرضها الدين والمذهب والسلطة الحاكمة والقانون والعرف الاجتماعي وما الى ذلك، وكأن المسجد يوجد نفسه ثم يعود فينفيها استجابة لمتطلبات أخرى بعيدة عن المطلب الاول الذي أنشئ من أجله. وهذا حال معظم المساجد في العراق بل كلها. حيث يصبح المسجد حكرا ً على فئة معينة وتصبح العلاقة بالله فيه تمر عبر قنوات يحددها الاخرون وبذا يفقد المسجد أهم الاسس التي بني عليها.
وقد قيل قديما  "بابان لاينبغي لهما أن يغلقا: باب المسجد وباب الطبيب". ولعل الاول للروح والاخر للجسد. الا ان معظم المساجد في العراق اصبحت تدار كما تدار اية دائرة رسمية أو شركة او حتى كأي محل تجاري، بل ربما أسوأ من ذلك فلكل هذه الأماكن أوقات دوامها المعلومة في حين يغلق المسجد أبوابه بوجوه مرتاديه حتى في أوقات الصلاة وأحيانا لايمنح المسجد المصلي وقتا ً كافيا ً بعد الصلاة لقليل من التأمل والتفكر بل وحتى الاستراحة. لقد تحولت تحفة المعمار الراحل محمد مكية – جامع الخلفاء – الى مايشبه العمل النحتي الذي يشاهد من الخارج دون ان يعاش من داخله. وفي هذه الحالة لايفقد المسجد وظيفته فقط في الترحيب بمرتاديه الذين يمنحونه شرعية وجوده، بل يستحيل المسجد الى عبء يثقل كاهل المدينة باحتلاله موقعا ً داخل نسيجها وبحصوله على الكثير من الخدمات دون انتفاع منها.
تجدر الاشارة هنا الى الجدوى الاقتصادية لوجود المساجد والعبء المالي الذي تشكله على اقتصاديات المدينة والدولة، وحتى لو افترضنا أن تمويلها خاص خالص – وهو أمر غير واقعي تماما ً – فمن غير المجدي تبذير هذه الاموال لإقامة شعائر دينية لأفراد معدودين ولفترة زمنية قصيرة جدا ً. تتضمن المدينة القديمة في النجف مثلا ً عددا ً كبيرا ً من المساجد الصغيرة المحلية التي لايفصل بينها أكثر من خمسين مترا ً. في حين عمدت دولة السويد التي تعادل موازنتها السنوية اربعة أضعاف موازنة العراق – في حال وجدت موازنة – بنفوس تعادل ربع نفوس العراق الى إغلاق عدد من الكنائس ذلك أن ترميمها أصبح عبئا ً اقتصاديا ً لاتريد الدولة أن تبذر أموالها فيه.
أما من الناحية التخطيطية Urban View فقدْ فقدَ المسجد دوره السابق في خلق بؤرة حيوية داخل المدينة أو الحي تجتمع حوله الكثير من الفعاليات التجارية والثقافية والتعليمية، واستحال الى مايشبه الفجوة Spatial Gap التي تشكل قطعا ً في جسد الحي الواقع فيه. وربما أكثر من ذلك أذ يستحيل المسجد الى نقطة مربكة للحركة  Circulation المحيطة به ولحركة المرور ولتجانس الفعاليات  Activities.
ويساهم المسجد حاليا ً فيما يسمى بالتلوث الصوتي  Noise Pollutionوخصوصا ً في مناسبات معينة كشهر محرم ورمضان أذ تعلو أصوات المساجد وغالبا ً بشكل متقاطع ومتداخل ومربك للسامع وفي أوقات حرجة كساعات الفجر ولفترة زمنية قد تستمر لساعتين أو أكثر دون مراعاة لاقليات أخرى لاعلاقة لها بهذه المناسبات او لاحتمال وجود مرضى وعجزة لايطيقون هذا المستوى من الصوت.
أما من الناحية المعمارية فقد كان المسجد يشكل معلما ً معمارياً جميلا ً كالحيدرخانه في الرشيد ومتواضعا ً في الوقت نفسه كمسجد السلطان علي في السنك. في حين توكل المساجد الان الى من لامعرفه له بالتصميم وبالتخطيط بل وحتى بالبناء وفنه، ويمكن ملاحظة سلسلة طويلة من المساجد المعاصرة القبيحة الشكل بقبابها البصلية غير مدروسة النسب والمغطى بعضها بصفائح الالكوبوند الرخيصة، كما يمكن مشاهدة العديد من المساجد المذهبة بطريقة ( شعبوية كما يدعوها أستاذنا السلطاني ) بالاضافة الى اعتمادها نسبا ً مشوهة بشكل صارخ في أرتفاع القباب والمنائر والمداخل.
واذا نظرنا الى الشريحة الاجتماعية المستفيدة من هذه الاماكن فإنها في الواقع صغيرة ومحدودة جدا ففي الغالب لامكان للمرأة والطفل والمراهق في المسجد وأن بناء المسجد وتأثيثه لايراعي هذه الشرائح بأي شكل من الاشكال.
كما أن معظم مساجدنا الحالية تناقض نهج التأثيث الذي تدعو اليه وخاصة فيما يتعلق بالنظام والنظافة والطهارة فهي تفتقد غالبا ً الى ابسط معايير النظافة وخاصة في تأسيساتها الصحية وفي فرش صالات الصلاة وفي التشميس والتهوية والانارة والسيطرة على الصوت وغيرها.
 برغم كل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مدننا في الوقت الحاضر والتي أفقدتها القدرة على الاهتمام بمعظم منشآتها الحضرية تظل المساجد بعيدة نوعا ً ما عن هذا التقشف لحصولها على التمويل الخاص، ومع ذلك فإنها مازالت بعيدة جدا ً عن الصورة المفترضة لها، وأن الباحث عن مسجد بصفاء مسجد الشيخ لطف الله في أصفهان  يدرك أن مدننا الان بلا مساجد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram