TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "خرخاشة" الرفيق

"خرخاشة" الرفيق

نشر في: 4 سبتمبر, 2016: 09:01 م

العراقيون القدماء ابتكروا  "الخرخاشة"  لعبة لأطفالهم ،  وقد عثر على نماذج منها في مواقع اثرية كثيرة . اللعبة  مصنوعة من الفخار ، في الأعلى كرة غير منتظمة ترتبط بمقبض فيه عدة ثقوب ، وبداخلها ثلاث حجرات او اكثر تصدر صوتاً حين يحركها الطفل. الغريب في الأمر ان خرخاشة أجدادنا القدماء قبل آلاف السنين، يبلغ وزنها اقل من كيلو غرام ،  لذلك برزت نظرية جديدة تقول انها مخصصة لأغراض اخرى ،  لاسيما انها مصنوعة من طين باركته الآلهة ، فاكتسبت الخرخاشة صفة التقديس . المقدس في ثقافات الشعوب القديمة لايمكن ان يكون لعبة بيد الزعاطيط، وفي ضوء هذه  النظرية ، الخرخاشة كانت مخصصة لأغراض أخرى دينية وسياسية وعسكرية ، مع الإشارة الى ان نماذج منها كانت مخصصة للأطفال .
 قبل آلاف السنين، كانت هناك جهة تتمتع بنفوذ واسع ، كأنها الحزب الحاكم في الزمن الحالي ، أمينها العام الملك او حاكم البلاد ، قيادتها: اي مكتبها السياسي ، يضم كبار الكهنة ، وقادة الجيش فضلا عن مجموعة  قليلة من الأثرياء ، لكل واحد من هؤلاء "خرخاشته" الخاصة ، تمنحه الوجاهة ، تجعل الآخرين من الرعية يحسبون له ألف حساب . "الخرخاشة" خضعت للتحوير حين  انتقلت الى الزمن الحاضر، لكنها  احتفظت بمعانيها . يتذكر العاملون في الوسط الصحفي ان رئيس اللجنة الأولمبية في زمن النظام السابق بوصفه كان نقيباً للصحفيين ، منح المقربين منه أجهزة، تشبة التلفون النقال  تصدر صوتاً لحظة إصدار الأوامر  بالتوجه الى مقر الأولمبية . حامل الجهاز "الطواطة" كان يشعر بالزهو ، لأنه الوحيد يمتلك جهاز اتصال قبل  دخول الهواتف النقالة الى العراق.
المرحلة الفاصلة بين استخدام الخرخاشة ،ثم الانتقال الى الطواطة، تكشف عن وجود  اشخاص كانوا قريبين من صاحب القرار ، مهمتهم تنفيذ الأوامر ، سواء صدرت من  كبير الكهنة او بلاط الملك ، او مقر التنظيم  السياسي . في زمن الخرخاشة يسمح لحاملها بالدخول الى اماكن محظورة على الآخرين ، اما حامل الطواطة فملزم بالتوجه الى مكان محدد لحظة سماع صوت الإشارة  فوراً ، لامجال للتأجيل والمخالف مهما كان اسمه ومنصبه ، سيتعرض لعقوبة الفلقة في معكسر الضبط ، الواقع بضاحية الرضوانية بأطراف العاصمة في جانب الكرخ .
في زمن استخدام الهواتف الذكية ، تخلى القادة السياسيون عن "الخرخاشات والطواطات" ، لأنها ماعادت تلبي متطلبات التعاطي مع المستجدات في الساحة العراقية ، فبرسالة واحدة من صاحب القرار موجهة الى اعضاء الكتلة النيابية، تصدر الأوامر بتبني موقف موحد تجاه قضية  معينة ، مع توصية  ربما تكون احيانا شديدة اللهجة بالابتعاد عن الآراء الشخصية ، وبمعنى آخر "نفذ ثم ناقش".
لطالما شكا اعضاء في مجلس النواب من هيمنة رؤساء الكتل النيابية على قراراتهم ، فأدى ذلك الى تراجع  الدور الرقابي للبرلمان ، ممثلو الشعب وخلال الدورات  التشريعية السابقة  والحالية،  اثبتوا انهم يرغبون في استعادة أمجاد الخرخاشة والطواطة ، والحديث عن التمرد على رؤسائهم  مجرد "خرخشة" في سوق الصفافير .  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram