لم يدر بخلد عائلة الصبي "أوس" الذي يعشق ممارسة كرة القدم مع أقرانه في المحلة، انها ستسبب لهم المخاوف والمشاكل وتتحول الى كابوس يهدد مستقبل أوس، الذي أصيب ذات مساء وهو يمارس لعبته المفضلة، وعلى وجه السرعة تم نقله الى المستشفى القريب لتلقى العلاج.. لكن

لم يدر بخلد عائلة الصبي "أوس" الذي يعشق ممارسة كرة القدم مع أقرانه في المحلة، انها ستسبب لهم المخاوف والمشاكل وتتحول الى كابوس يهدد مستقبل أوس، الذي أصيب ذات مساء وهو يمارس لعبته المفضلة، وعلى وجه السرعة تم نقله الى المستشفى القريب لتلقى العلاج.. لكن أي مستشفى وأي علاج؟ فيكاد كل شيء فيه غير متوفر من الكادر المختص بالكسور الى مادة التجبيس مروراً بالأشعة وعطل الجهاز، وأمور اخرى سببت المعاناة والألم للصبي الذي مازال يشكو من تراكمات التجبيس الذي تم على وجه السرعة.

سوء الإدارة والتخطيط
العشرات من الكوادر الطبية، نظموا تظاهرة أمام وزارة الصحة، للمطالبة بتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية التي تفتقرها المستشفيات، فيما أكدوا أن نقص الأدوية يعرضهم الى الاعتداءات من قبل المواطنين.
 الدكتور "محمد صلاح" أحد المشاركين في التظاهرة قال لـ(المدى) ان أحد أهم مطالب التظاهرة المطالبة بتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية التي تفتقرها أغلب المستشفيات، مبيناً أن نقص الأدوية يعرضهم دائماً الى الاعتداءات من قبل المواطنين، مضيفاً أن الكادر الطبي يعمل في الخط الأول وبالتالي فإن المواطن لا يعي أن أسباب هذا النقص في المستشفيات هو بسبب وزارة الصحة.
أما الطبيب المقيم "ليث حسن" فقد بيّن لـ(المدى) أن الوقت حان للتغيير وتحسين الادارة كون الخدمات المقدمة للمواطنين لاتليق بمؤسسات صحية عريقة مثل المستشفيات العراقية التي باتت تفتقد لأبسط مقومات العمل المهني الطبي، عازياً سبب ذلك الى سوء الادارة والتخطيط وحالات الفساد، مشيراً  الى ان اصحاب القرار يبررون ذلك بالتقشف، مستدركاً: لكن واقع الحال مغاير جداً فالأموال موجودة لكن يتم صرفها على أبواب أخرى الأمر الذي ينذر بكارثة كبرى اذا لم يتم تدارك الأمر على وجه السرعة.

مليار و400 مليون دينار فقط
مدير عام دائرة صحة بغداد الرصافة "الدكتور عبد الغني سعدون" يقول لـ(المدى): نمر بظروف مالية صعبة جداً وهذا أثر بشكل كبير على واقع الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.  مؤكداً: ان هناك مشاكل حقيقية تنذر بالكارثة الصحية. مشيراً  الى أن حاجة المؤسسات الصحية التابعة لدائرة صحة بغداد الرصافة لغاية الآن هي (46) مليار دينار بغية تأمين جميع الاحتياجات الدوائية والعلاجية والمختبرية والأمور الفنية  والعمليات. مستدركاً: لكن ماتم تسلمه لحد الان من قبل وزارة المالية هو فقط مليار و400 مليون دينار فقط. متسائلا: كيف يتم توزيع تلك المبالغ على الحاجات الفعلية ؟

الجباية والموارد المستحصلة
 ودعا عبد الغني الى ضرورة تفهم جميع اصحاب القرار للخطر الذي يدهم القطاع الصحي. موضحاً ان التأخير والإهمال في تلبية متطلبات المواطنين سيعطي نتائج عكسية خطيرة على المجتمع والصحة العامة. مضيفاً أن الأموال المستحصلة من قبل المؤسسات الصحية والمتضمنة الأجور المعلنة لاتكفي لجزء بسيط من حاجة اى مستشفى.

شحّ الأدوية والضمان الصحي
الكثير من الدول تلجأ الى حلول عدة لإنعاش القطاع الصحي وتقديم الخدمات الى المواطنين. الدكتور "مناف عبد الكريم" اوضح لـ(المدى)  أن القطاع الصحي في العراق يعد من اكبر القطاعات التي شهدت تدهوراً كبيراً في السنوات الاخيرة. منوهاً الى أسباب عدة من أبرزها الأزمة المالية والتقشف. مضيفاً: المواطن يتذمر من ضعف وتدني مستوى الخدمات واللامبالاة من قبل بعض العاملين في هذا القطاع. منوهاً الى قلة الأدوية والعقاقير في المستشفيات الحكومية وتوفرها في الصيدليات الأهلية لكن بأسعار باهظة.
وبين عبد الكريم:  نفتقر الى قانون ضمان صحي يكون كفيلاً بحل الكثير من الاشكالات الحالية، داعياً مجلس النواب ان يشرعه مع قوانين اخرى باتت الحاجة ملحة لها كي يتم تنظيم عمل المؤسسات الصحية الحكومية والأهلية. موضحاً: ان واقع القطاع الصحي الحالي لا يسر أبداً وبحاجة الى ثورة لتغييره نحو الأفضل.

قلة الكوادر الطبية التخصصية    
الدكتورة "رنا الحامض" -اختصاص امراض نسائية- ذكرت لـ(المدى): من المشاكل الحقيقية التي تعاني منها معظم المؤسسات الصحية قلة الكادر التخصصي، مشيرة: هناك مشاكل أثرت بشكل كبير على تقديم الخدمات تحديداً في المستشفيات التي تقع في أطراف بغداد، موضحة: على سبيل المثال بعض المستشفيات يوجد فيها طبيب تخدير واحد او اثنان في أبعد الحدود وطبيبة نسائية واحدة فكيف يكون الحال في مستشفى يستقبل يومياً اكثر من (500) مراجع ويجري اكثر من عشرين عملية . مؤكدة على خطورة الواقع الصحي في عموم مستشفيات البلاد.

الفوضى والكوادر الوسطية الماهرة
أما المعاون الطبي "صائب رياض" فيشير لـ(المدى) الى قلة الكوادر الطبية والتمريضية في أغلب مستشفيات البلاد وماتعانيه من نقص حاد بالأطباء الجراحين بوجه الخصوص. مشدداً على حاجة المستشفيات الى الكوادر الوسطية الماهرة. منوهاً الى ان اغلب تلك الكودار تفضل العمل في المراكز الصحية والمستوصفات، عازياً سبب ذلك الى العمل بعد نهاية الدوام الرسمي في مكان آخر او استحداث محل للطبابة والتمريض في منطقة سكنه. مشدداً على ان فوضى الادارة العليا في وزارة الصحة تجعلها غير قادرة على حل هذه الاشكاليات في الوقت الحاضر.

أكثـر من 13 ألف مراجع
من خلال إجراء التحقيق، ولغرض معرفة حجم الإنذار الذي يحذر منه القائمون والعاملون في المؤسسات الصحية تمت زيارة "مستشفى الشهيد ضاري الفياض" التابع لدائرة صحة بغداد الرصافة ، حيث تم تزويدنا بإحصائية تشير الى استقبال المستشفى (13479) مراجعاً خلال شهر واحد توزعوا على جميع اقسام المستشفى، اذ كانت حصة الاستشارية 4497 مراجعاً في حين استقبلت الطوارئ 8310 مراجعين، اما الخافرة فقد استقبلت 690 مراجعاً، وبالنسبة للولادات كانت 222 ولادة توزعت مابين 190 ولادة طبيعية و32 قيصرية وتم استقبال 5123 حالة فحص مختبري و242 مراجعاً للأسنان. اما وحدة الأشعة فقد استقبلت 2104 فحوص اشعة و925 فحص سونار، كذلك 310 فحوص تخطيط قلب. اما بخصوص العمليات فقد قامت الكوادر التخصصية في المستشفى بإجراء 346 عملية جراحية خلال الشهر توزعت مابين 19 عملية فوق الكبرى، وعملية خاصة واحدة، و22 عملية كبرى، و73 عملية وسطى، و231 عملية صغرى . المصدر أشار الى ان هذة الإحصائية رسمية ومسجلة لدى الجهات المختصة.

الفساد .. السبب الأكبر
الدكتور الصيدﻻني "محمد نعمان" يقول لـ( المدى ): ان الواقع الصحي يمر بأزمة حقيقية ليس من باب القطاع الحكومي فقط وانما في القطاع الخاص ايضاً. لافتا: ان هناك مشاكل  تصيب مئات المواطنين يومياً بسبب التشخيص الخاطئ من قبل بعض الأطباء. عازياً ذلك الى قلة الخبرة او عدم الكفاءة او بسبب الزخم الكبير على المستفيات الحكومية. موضحاً: ان الكثير من الاشكالات التي تحصل الان في القطاع الصحي العراقي تعود الى سوء الادارة والتخطيط والفساد الذي عدّه سرطاناً ينهش الجسد الصحي العراقي. مشيراً الى ظاهرة تسرب الأدوية الخاصة بالمستشفيات الى الصيدليات والمذاخر الأهلية عاداً ذلك جريمة كبرى يجب ان يحاسب عليها جميع مسؤولي الوزارة لسماحهم بتفشيها في كل دوائر ومؤسسات وزارة الصحة.

معمل واحد لإنتاج الدواء
الدكتور "عباس القويزي" وصف الواقع الصحي بالمؤلم لاسيما أن هناك مؤشرات خطيرة بدأت تظهر على الساحة تحظى بدعم حكومي مباشر والمتمثل بدعم المشاريع الصناعية المنتجة للتبغ مثل سكائر (سومر)، اذ بيّن أن هناك اكثر من مصنع لانتاج السكائر في حين لايوجد غير معمل أدوية سامراء يقوم بانتاج الأدوية والتي تمتنع وزارة الصحة عن شراء العديد منها. مردفا: لو استمر الحال بهذا الشكل فإن الأمر في قمة الخطورة وبوجه الخصوص على الفقراء الذين لايستطيعون مراجعة الاطباء والمستشفيات الاهلية معتمدين بذلك على المستشفيات الحكومية وما تقدمه من خدمات.

 الجناح الخاص فقط
المواطن "عبد الكريم محمد عبدالستار" التقت "المدى" به في مستشفى ابن الهيثم والذي بيّن انه مصاب بانسداد القناة الدمعية وعند مراجعته الى المستشفى مرات عديدة لم يتمكن من اجراء العملية في الجناح العام اذ أصر الطبيب المختص على اجراء العملية في الجناح الخاص. مبيناً انه لايملك القدرة على دفع تكاليف العملية في الجناح الخاص الذي لاتقل عن الأهلي الا بنسبة قليلة. متسائلاً: اين يذهب الفقير وسط هذا الفساد والإهمال الذي يصيب أهم القطاعات الحياتية.  مشيراً الى ان العشرات من المرضى في المستشفى يشكون من هذه الحالة الأمر الذي أجبر البعض منهم على الاستدانة.

أمراض انتقالية
"فاطمة شكر محمود" -معلمة- في احدى مدارس تربية الرصافة الاولى توضح : اننا ومن خلال البرامج التدريبية المشتركة بين ادارات المدارس والمعنيين في المراكز الصحية اوضحوا لنا أننا نتوقع المزيد من الأمراض الانتقالية بين الطلبة خصوصاً الأمراض المعدية كالنكاف وغيره، ويأتي هذا بسبب قلة الخدمات المقدمة والنقص الحاصل في الكثير من البرامج الصحية. مردفة: بالرغم من الجهود المبذولة من قبل الكوادر الطبية العاملة في المراكز الصحية لكن تبقى الامكانات محدودة وغير مجدية بسبب الفوضى الحالية وعدم تقدير الحاجة الفعلية للدواء والأطباء من قبل الجهات المعنية بذلك.

إطلاق المبالغ المخصصة
المتحدث الرسمي في وزارة الصحة الدكتور "أحمد الرديني"  أوضح  لـ(المدى): ان هناك  العديد من العقود الخاصة بالشركة العامة لتسويق الادوية والمستلزمات الطبية المتوقفة بسبب عدم تخصيص المبالغ اللازمة من قبل وزارة المالية. مشيراً الى أن ادوية التخدير من بين تلك الأدوية اضافة الى ادوية اخرى ضرورية مطلوب توفرها في المؤسسات في عموم المحافظات. داعياً المعنيين من اصحاب القرار الى تفهم الوضع الخاص لاداء وزارة الصحة مع عموم المواطنين وطبيعة الخدمات المقدمة وضرورة اطلاق المبالغ المخصصة لها اصلا من الموزانة المقرة.

أجهزة غير صالحة
"جواد المهدواي" ذكر لـ(المدى) ان الخدمات الطبية المقدمة في المستشفيات الرسمية رديئة جدا، وان الأجهزة المتوفرة فيها لا تفي بالغرض. مردفا: كما أنها قديمة ولا تؤدي الغرض المطلوب منها في الكثير من الاحيان.  موضحا: ان المرضى يضطرون لاعادة الفحوصات والتحاليل والأشعة خارج المستشفى وبأسعار مضاعفة . مستطرداً: ان واقع القطاع الصحي في ادنى مستوياته الخدمية والذي يبدو ان هناك اهمالا متعمدا من قبل بعض الجهات في الوزارة.

فرصة الكفاءات العراقية
"سهام حسين" -موظفة- تقوم بمراجعة احد المستفشيات التخصصية لعلاج ابنتها من مرض مستعصٍ تذمرت اولا من سوء معاملة الكوادر الطبية للمواطن. موضحة: ان الكثير منهم للأسف فقد انسانيته بالتعامل وفضل عليها مصلحته الخاصة. مشيرة الى انها تقوم بشراء الادوية التي خصصت لابنتها من الممرضين وبأسعار عالية جدا. منوهة: ان الكثير من هذه الادوية تتم سرقتها من ثم بيعها الى المرضى.
واسترسلت: اما بشأن الجانب الصحي والنظافة فللأسف كلاهما غير متوفر ليس في المستشفى الذي اراجع فيه بل في عموم المؤسسات الصحية العراقية. داعية الى ضرورة اعادة النظر بكل الكادر الصحي والاداري في وزارة الصحة مع تشديد الاجراءات وفرض العقوبات على كل من يتاجر بأرواح الناس. مشددة على ضرورة اعطاء فرصة للكفاءات الطبية العراقية التي حوربت بسبب المحاصصة والانتماء.