TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نصب الجبايش

نصب الجبايش

نشر في: 31 أكتوبر, 2012: 11:00 م

ما أسعد أهل الجبايش والمناطق المحيطة بها ! وما أهنأ عيشهم ! وما أرقى حياتهم! وما أرغد مستقبلهم! فبينما يشقى سائر العراقيين  في مختلف مدنهم وبلداتهم وقراهم وبواديهم مرة بسبب الكهرباء وأخرى بفعل البطالة والفقر وغيرها تحت وطأة الفساد الإداري والمالي ورابعة من سوء الخدمات الصحية والتربوية والبلدية، أنعمت دولتنا على أهل الجبايش بنصب كبير  للشهداء ومهبط لطائرات الهليكوبتر!

بكل فخر احتشد منذ أيام في الجبايش المسؤولون في محافظة ذي قار مع وزير الدولة لشؤون الأهوار ورئيس مؤسسة الشهداء ليشهدوا افتتاح نصب الشهداء الذي بلغت كلفته 23 مليار دينار (20 مليون دولار أميركي) فقط لا غير!! وهو مبلغ انتفعت بجزء معتبر منه شركة تركية ومعها دزينة في الأقل من المسؤولين الفاسدين إدارياً ومالياً.

ربما استبشر أهالي الجبايش بالحدث وهم يُساقون الى مكان الاحتفال، وفكّروا ان هذا النصب ومهبط الطائرات فاتحة لتدفق الخير العميم عليهم،  فلابدّ بعد النصب ومهبط الطائرات ستأتي الحصة التموينية الفاخرة  والكهرباء التي لا تنقطع 15 أو 16 ساعة في اليوم والماء الصالح للشرب والأطباء والأدوية والمستوصفات والمدارس الحديثة والوظائف ودور السكن العصرية والطرق المبلطة ووسائط النقل العام متدنية الأجور والمعدات والآليات اللازمة للزراعة الحديثة الكثيفة ولتنمية الثروة الحيوانية وسواها مما تفتقر اليه الجبايش وكل أرياف العراق. لكن أهل الجبايش ما لبثوا، بعد انفضاض الاحتفال، أن أدركوا انهم كانوا من المُغفلين أو الحالمين في أحسن الأحوال، فالذين حضروا من المسؤولين انما لزوم التصوير فحسب.

لن يبتزنا الذين كانوا وراء النصب ومهبط الطائرات، فكرة وتنفيذاً، بالقول ان القضية تخصّ مناضلين قدموا حياتهم من أجل حرية الشعب وكرامة الوطن، فأولئك المناضلون لم يستشهدوا من أجل نصب ومهبط طائرات يفتتحهما ويحشد الناس للاحتفال بهما موظفون نصفهم في الأقل فسدة وانتهازيون لا شأن لهم ولا علاقة بالنضال والمناضلين والشهادة والشهداء.

لن يبتزونا، فالشهداء كانوا يسعون الى وضع حد للحروب والخراب، والى ان يتمتع العراقيون بخيرات بلادهم في ظل الحرية والديمقراطية .. لم يبذلوا أرواحهم ودماءهم حتى يبقى أهل الجبايش وسائر المدن والبلدات والقرى على فقرهم المزمن وتخلفهم المتوارث يكابدون الجوع والمرض ونقص الخدمات الأساسية بعد عشر سنوات من اسقاط نظام صدام وفي دولة يزيد دخلها السنوي من النفط وحده عن 100 مليار دولار.

كان سيكون أكبر تقدير للشهداء وأعظم تمجيد لمآثرهم البطولية لو أنفقت الثلاثة وعشرون مليار دينار على بناء مستوصفات ومدارس وشق طرق في الجبايش وحواليها تجعل حياة ابناء الشهداء وذويهم الآخرين أهنأ، فهذا بالذات ما ناضل من أجله المناضلون واستشهدوا.

لم يرتفع نصب الجبايش ولم ينبسط مهبط طائرات الهليكوبتر من أجل الشهداء، بل في سبيل أن يصبح الفاسدون أكثر فساداً .. هذا هو المردود الوحيد بالتأكيد لما حصل في الجبايش منذ أيام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. هاني

    لا تبنى اي مشاريع بدون فائدة قصوى للفاسدين والا ستكون من المشاريع الغير منفذة مع التحيات

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: العالم يتوحش .. المخالبُ في لحمنا

العمود الثامن: قوات سحل الشعب

"الحشد الشعبي"... شرعنة التشكيل بوظائف جديدة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: المتشائل

 علي حسين أعترف أنّ الكتابة اليومية تتطلب من صاحبها جهداً كبيراً، فصاحب النافذة اليومية مطلوب منه أن يُقدِّم شيئاً يتجاوز ما اطلعت عليه الناس في الأخبار، وشاهدته من خلال الفضائيات، فالعبور إلى جسر...
علي حسين

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري 2 بين القتال والهدنةً القصيرة تغيرت الحياة الاجتماعية. لقد قضى الناس أياماً طوالًا في الملاجئ. نساء ورجال حشروا في مكان ضيق. شبان لم يعرفوا السياسة و ما أرادوا أن يعرفوها انفصلوا عن...
زهير الجزائري

اشكالية السياسة والتعصب تحليل سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح المفهوم الشائع عند العراقيين بمن فيهم الكثير من المثقفين ، ان المتدينين يكونون متعصبين والمثقفين متحررين وغير متعصبين ، فهل هذا صحيح ام فيه رأي آخر ؟ لنبدأ بتحديد المفهوم...
د.قاسم حسين صالح

باليت المدى: كرسي مكسور الساق

 ستار كاووش عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي...
ستار كاووش
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram