TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > وبالتعساء إحساناً

وبالتعساء إحساناً

نشر في: 7 سبتمبر, 2016: 09:01 م

منتصف عقد التسعينات، قدم المخرج الراحل قاسم محمد مسرحية  بعنوان"أب للبيع او الإيجار"  تناولت تجسيد تعاسة شعب بأكمله ، اختزلها المخرج  في البحث عن شيخ  كبير اختطفته عصابة  تدير شبكة تضم عشرات المتسولين لاستخدامه في عملية الاستجداء . الراحل جعل من فرض العقوبات الاقتصادية على العراق  جراء غزو الكويت ، مادة   لتمرير خطابه  لتفادي اعتراض الرقيب ، على الرغم من ان العرض المسرحي عد في ذلك الوقت مغامرة تخطت الخطوط الحمر ، لكنها مرت بسلام ، وبعدها غادر الراحل قاسم محمد  العراق متوجها الى دولة الامارات .     
العاصمة بغداد  اكتسبت صفة انتشار أعداد كبيرة من المتسولين من الجنسين،  وبأعمار مختلفة وبعاهات أصلية وأخرى مصطنعة .  المشهد حاضر في التقاطعات والشوارع العامة ، يجسد بصورة  ثلاثية الأبعاد سيناريو فلم هندي من نوع ميلودراما الفقر والجهل والمرض ، والحظ الأسود المصخم الملطم ، وفواجع القدر.
بغض النظر عما يقال عن وجود  جهات او ربما "مافيات" ، تقف وراء زج المزيد من المتسولين في الشوارع وان المسألة لا تخلو من احتيال ، إلا ان القضية بحاجة الى معالجة فورية،  ليس باعتقال قادة  "المجادي"  بذريعة الحفاظ على الطابع الحضاري للعاصمة   ، وإنما بإجراءات اقتصادية واجتماعية ، وبتعاون منظمات المجتمع المدني مع الجهات الرسمية المعنية بهذا الأمر، وهذا الكلام "الخريط " سمعه العراقيون من مسؤولين كبار وقادة سياسيين  ومنظمات  دولية ومحلية ، ولكثرة ترديده  تهرأ ولم يعد صالحاً للاستخدام .
ورد في الاخبار ان بلدية دبي أطلقت مبادرة  لمنح المواطنين فرصة للتعبير عن رضاهم وسعادتهم عن الخدمات التي تقدمها مختلف المرافق في المدينة، المبادرة بعنوان "دبي السعادة"
 لجذب الأنظار للإمارة ، وما حققته خلال  ثلاثين عاما من تنمية وعمران فاستحقت ان تكون واحدة  من اشهر مدن العالم.
يوم كانت دبي صحراء قاحلة، ابدى الممثل الراحل عز الدين طابو رغبته في الهجرة الى المدينة ، لأنها باعتقاده ستكون ذات شأن عظيم . زملاء الراحل طابو سخروا من رغبته بفاصل من التعليقات ، منهم من قال له :  ستطلق النار على مستقبلك الفني ، وآخر حذره من خوض المغامرة ، طابو استشرف مستقبل دبي بوصفها ستكون مدينة للسعادة ، لكنه التزم بنصيحة  زملائه،  فغادر الحياة  مصابا بداء التعاسة .
دبي استثمرت ثرواتها النفطية  بالحكمة ، مستعينة بخبراء اجانب ، مع وجود مسؤولين عرفوا قيمة البترول في تحقيق تنمية شاملة . الثروة النفطية في العراق لن تجعل شعبه سعيدا مقارنة بالدول الخليجية . الاحزاب والقوى السياسية بعد  اكتشاف آبار بابا كركر جعلت  تحرير النفط  من الشركات الاحتكارية احد ابرز اهدافها ،  فحقق البترول حضورا في الشعارات  السياسية نفط العرب للعرب ، والنفط سلاح في المعركة.
 مع  تزايد اعداد المتسولين في بغداد والمدن العراقية الاخرى، وتزامنا مع بدء العد التنازلي لموعد اجراء الانتخابات المحلية المقبلة ، امام الطبقة السياسية فرصة تبني شعار"وبالتعساء إحسانا"  لضمان الحصول على اصوات الناخبين.
 يقال ان فريق  المحققين الدوليين  للنظر بملفات فساد من العيار الثقيل، بدأ بجولات  تراخيص  العقود النفطية . العراقيون يتطلعون الى سرعة اعلان النتائج  في اقرب وقت ممكن ، لعل الفريق الدولي يوفر لهم لحظات سعادة في زمن التعاسة .    

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram