فعلتها إنعام كجه جي، وهي قمينة بفعلةٍ كهذه .. وسط الدفقات المتلاحقة من الأخبار السيئة التي تترى على العراقيين في صبحهم ومسائهم، سقت إنعام قلوبنا المرهقة بأوجاع الإرهاب والفساد والصراع على السلطة والمال وحرب الطائفيين، بخبر حصولها على جائزة أدبية معتبرة في واحد من بلدان الطشّار العراقي المترامي الأطراف.
مؤسسة "لاغاردير" الفرنسية منحت جائزتها الكبرى لهذا العام إلى إنعام عن روايتها الرائعة "طشاري" التي ستظلّ جديرة بجائزة أكبر، على أهمية جائزة "لاغارد" التي تُمنح بالتعاون مع "معهد العالم العربي" الباريسي.
كنّا تحت وطأة الصدمة الجديدة التي أوقعها في نفوسنا التفجير الإرهابي الثاني في الكرادة في غضون شهرين، عندما جاءنا الخبر الطيب الذي صنعته لنا إنعام ليكون الردّ المناسب على الموجة العالية للشعور بخيبة الأمل وانسداد الأفق التي اجتاحت الكثير من العراقيين بعد الحادثة الارهابية الجديدة المتزامنة مع ارتفاع منسوب الصراع العبثي والمدمّر بين غرماء ما تُعرف بالعملية السياسية.
خبر إنعام يعزّز الثقة بموهبة العراقي، امرأة ورجلاً، وبقدرة العراقيين على عبور الحقبة التعيسة الحالية من حياتهم.
عرفتُ إنعام مذ تزاملنا في قسم الصحافة بكلية الآداب، ثم في شارع الصحافة البغدادي في عقد السبعينيات من القرن الماضي، حيث سطع فيه بسرعة نجمها الذي ظل يزداد تألقاً السنة بعد الأخرى، حتى صارت إنعام الصحفية الأبرع والأنشط والأذكى على مدى العقود الثلاثة الماضية. وعملت إنعام اختراقاً بكتابة الرواية، فتبدّت لنا سيدة سرد تباري الكبار في هذه الصنعة الأدبية وتنافسهم في الترشح الى القوائم القصيرة لجوائز مرموقة، من دون أن تترك مقعدها المرموق في مهنتها الأثيرة: الصحافة، فإنعام لم تزل تقف في الصف الأول لصحفيات العراق وصحفييه المعاصرين ، فإنعام كاتبة عمود بارعة وكاتبة تحقيق صحفي بارعة ومحاورة بارعة ومحررة أخبار وتقارير بارعة. كلّ هذا بلغة جميلة وأسلوب مدهش.
إنعام كجه جي ليست فريدة من نوعها برغم تميّزها، ففي داخل العراق وعلى امتداد الطشّار العراقي المنبسط على طول خريطة العالم وعرضها، من استراليا ونيوزيلاند إلى الأمريكيتين، ثمة العشرات، بل المئات، من الصنف المبدع الذي تنتمي إليه إنعام، في مجالات الأدب والصحافة والفنون والهندسة والطب والعلوم التطبيقية والصرفة والاجتماعية... إنهم جميعاً يوحّدهم سوء الحظ الذي ألقى بهم إلى دروب الحياة في الزمن الخطأ .. زمن الدكتاتورية الغاشمة وحروبها المدمرة، ثم زمن أمراء الطوائف وحروبهم القذرة.
وإلى جانب إبداعهم المميّز، لهؤلاء المبدعين العراقيين من فصيلة إنعام كجه جي فضيلة أخرى، هي المعاندة ومواجهة قبح السياسة المتواصل والمتفاقم بجمال الإبداع المتجدد.
إنعام كجه جي .. جمال الإبداع في مواجهة قُبح السياسة
[post-views]
نشر في: 7 سبتمبر, 2016: 03:18 م