TOP

جريدة المدى > عام > الجسر الذي رأى

الجسر الذي رأى

نشر في: 19 سبتمبر, 2016: 12:01 ص

في الحلة ..و في فجرها .. تطير الحمامات من مشهد الشمس الى جسرها القديم تقبّل عينيه و تمشّط لحيته التي اشتعل المبيض في مسودها و تشرب دموعا تسّاقط من نايه و هو ينوح اسىً ولوعةًفقد عظم البلاءُ عليه و الحكومةُ ادارت له ظهرها و العابرون لم يعودوا خفاف

في الحلة ..
و في فجرها ..
 تطير الحمامات من مشهد الشمس
الى جسرها القديم
تقبّل عينيه
و تمشّط لحيته التي اشتعل المبيض في مسودها
و تشرب دموعا تسّاقط من نايه
و هو ينوح اسىً ولوعةً
فقد عظم البلاءُ عليه
و الحكومةُ ادارت له ظهرها
و العابرون لم يعودوا خفافا مثل ما كانوا
فلقد احدودبت ظهورهم بالقاصمات
و من يدريك ما القاصمات التي يلهثُ الطبر في نيوبها
فلقد وقعنا تحت رحمة الطبر و الساطور
و ما من معينٍ يرمم ما تبقى من اضلاعنا و اضلاعه
 التي يسندها النهر بيديه و يعيدها الى صدره الواسع الرحيب
الذي ما ضاق ذرعا وهو يرى الطغاةَ يهرسون بحوافرهم
اجساد عابريه الذين يحفظُ اسماءهم عن ظهر قلب
كنا نلوذ بظله يوم تكون الشمس على بعد شمرةِ عصا
 من رؤوسنا .. فيكون لنا برداً و سلاما
فياجسر الحلة و ياصبرها
أوَ ما رأيت النهر ينكس امواجه فيقول
رفقا بشيخكم القديم هذا ..
وما من مجير يحمل أطنان الأزبال التي تنخر في ضفتيه
و تحفر في جرفه
و ما من مسؤول يرى ..
الجسرُ يرى ..
يفتح صدره و يمدُّ يديه داعيا فتستدير الامواج
من مرقد النبي ايوب راجعةً اليه
السلام عليك سيدي ايها الجسر صبراً
فالحكوماتُ لا تستحي
و الأصعبُ لمّا يأتِ بعد
و الفرجُ ابعدُ من يوم ِ الدينِ
و ما  من ولدٍ يعينه
فمنذ تسعين عاماً و الحكوماتُ كلها
تعبر مدججة على كتفيه
تاركةً بساطيلها تسرح و تمرح
و هي تدق مساميرها بعيداً في قلبه
*******
في الحلةِ ..
و في ليلها
يتدلى القمر عريساً من جنائنها
ليوقد الشموع في مراقد الصالحين
 التي تضيء ازقتها القديمة بالحروف و البركة
فيلثغُ طفل هنا .. و يغني قيثارٌ هناك
فمن خضرتها و لون الحنة الباسم في حيطانها
تأخذُ البساتين سوادها
ويأتلق النهر ذهبياً من نخيلها الراقص على ضفتيه
فتسيل علينا بالمنّ و السلوى
 و يرقص القمر عاريا سابحا  بكركراتنا
و حين نحاول ان نلزمه ..
يفرُّ كالعصفورِ تاركا لنا اقراطاً
و اساور و مرايا ترفرف في اجنحة الصبايا
و تشرق في هديل الحمام
*******
في الحلة ..
و في صيفها الأنيق الذي يلبس شمس دموزِي وآبو
اويلاه يابو ..اشكانَ الشتاء .. اشكانت اسبابو
و في المقاهي القديمة ذات الحصران و الحِبِ
و ناكوط الحِبِ و جاي العَصر
و اعني خدَّ الأسمر الخادر باستكانه
و المسجل الذي يحفظ الأغاني كلّها
و الليمون و حليب السباع المخبأ في جيوب دشاديشنا
فتذوب الغيوم من لوعة في القلوب
و تمطرنا مودة و رحمة
أما تبت عن ليلى .. ؟ وكيف اتوب
و الحب يلسع و الحبيبُ طروبُ
و البلبلُ الفتّان يسرق نشوتي
غردا و يتركني ألوبُ
فدع الفتى الحليَّ في قداسه يفنى و تحمله القلوبُ
فهل تذكرُ يا سعدي
و فخاتي الحلة تشرب الراحَ من راحتيك
و تنقر حبة قلبك فتنوح بآلاف
 الفخاتي : سالفتي طويله وياك يمته الكاك
فكيف استعسر العيش و رُجَّ القلبُ
من وجع الحياة
فلم يعد يجدي الغناء و لا البكاء
و الضيم قد ارخى سدوله
فمتى نلتقيك و نسكرُ من آآآآآآخٍ في صوتك
و نتمززُ انواع الهموم التي تصطليك وتبتليك
( كصن بينه المصايب ونتلاهي   
و المن اشكي منك و نتلاهي
دخيلك طَرْ دليلي ونتلاهي
تجيب الموت لاهي إتردني إليّه )
و تصدح و اوجاعنا تتشظى ومنا من برق يخطف
و ما من برق يخطف
فالليل اسدف باللّحى فضعنا في دروب الرعب
ضعنا في دجى شاتٍ
فيا أيها الرائي
نورْ لنا عن سحر صوتك
كيف عتّقه الشمال
و زاد سكرته الجنوب
  تركض و راك الروح
وأركضُ وراءها
في هذا البركان الذي يلفّنا في سورته
و يقذفنا حمماً في مقبرة السلام
التي لم يسترح موتاها فمازالت عظامهم المطحونةُ
تئن من سرف الدبابات و الهمرات و القاذفات
و ما من صورٍ ينفخُ
*******
في الحلة ..
و في محلة الطاق يجيء الصباح الينا ذهبيّاً
بأجنحة العصافير فنعطي المناقير ارزاقها
و تخرج امهاتنا بباقات الخبز اليابس
الملفوفة بالألوان كلها
فعلى صينيةٍ تغطي قدرَ الباقلاء
في رأسِ زقاقنا يتشكل قوس قزح حليّ بامتياز
و كأنَّ السماء تسير في ازقتنا و تعمّدنا واحداً واحداً
يا حليّ ..
و الحلة خبزة الله التي تزقزق في أكف الجياع
إعرف لون خيطك و الزم السايد في طرق الخير
و لتكن قيمتك فيما تحسنه
و تمضي الحياة بأقل الوصايا
فمن زورقٍ الى زورق تعبر الاغاني
و أنينها الى الطيبين
فيسيل النهر بالنايات و الكمانات
ففي كل موجة قوس كمان .. و اغان
و ياليل طل أو لم تطل لا بد لي انْ اسهرك
هكذا كنا قبل ان تستعر الحروب
و تندلع الثورات
ويصاب الوطن بالسكتة الطائفية
و تعجز الاطبةُ
و يعود الشباب الى ما تبقى من بيوتهم
ملفوفين بالعلم و غير ملفوفين
فلا فرق الا في التسعيرة
فالسلطة تطلب من النائحين ليل نهار
اسعار الرصاصات التي أزَّتْ
في قلوب ابنائهم
و بالصمت المطبق .. و الرعب يعوي و يعوي
و أمي تصرخ  : وليدي ماريده إيطب من الباب
دعوه يهبط علينا من السماء و يصعد اليها
قبل ان يمسَّهُ احد
و من فتحةِ في التابوبت الهلكان الذي طرق الأزقة كلّها
اسمع انين الإله القتيل
هذا البيت بيتي
فأنا اعرفه من دمعة تضيءُ في عتبتهِ
فدعوني اتنشقُ رائحة أمي
و أبوس يدها و عينها التي ترهف السمع
لترى وقع خطى الغائبين
و جبينها الذي حفرته الحروب و المعتقلات
فخلف كل باب في ازقتنا
ضلع مكسور
و صدرٌ يزحف في الطرقات
*******

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram