هذا شيء عجيب وأمر غريب .. مفوضية الانتخابات "المستقلة" تعلن الآن عن أنه قد تحققت "سابقة فريدة في تاريخ الانتخابات" في العراق، بتحديث 7 ملايين ناخب سجلَّهم الانتخابي، متوقعةً مضاعفة العدد "بعد استئناف العمل بالتسجيل البايومتري"، ليصل عدد الناخبين في الانتخابات المقبلة الى 23.5 مليون !
العجيب والغريب أنه إلى بضعة أسابيع خلت كانت المفوضية "المستقلة" تشكو تدنّي نسبة المُقبلين على مراكز التحديث. ويبدو أنه بتحريض من المفوضية أطلق قياديون في الكتل الكبيرة المهيمنة في مجلس النواب ومجالس المحافظات نداءات الى المواطنين لتحديث سجلّاتهم الانتخابية، محذّرين من العواقب الوخيمة لمقاطعة الانتخابات (المحلية من المفترض أن تُجرى في نيسان المقبل، والبرلمانية بعدها بسنة).
المُقلق الآن ألّا تكون معلومات المفوضية دقيقة، إن ما تعلّق منها بمَنْ حدّثوا سجلاتهم أو الذين سيحدّثونها لاحقاً. مصدر القلق أنّ المفوضية "المستقلة" لم تكن مستقلة يوماً (مناصبها العليا والدنيا موزّعة بين القوى الحاكمة الكبرى بوصفها واحدة من الغنائم الموزّعة حصصها على هذه القوى)، وهي لم تكن صادقة تماماً يوماً حتى على صعيد نتائج الانتخابات.
في الشارع العراقي ثمّة شعور بخيبة الأمل حيال العملية الانتخابية برمّتها .. الكثير يعتقدون بأن الانتخابات ليست سوى مسرحية تراجيكوميدية متكررة تؤديها القوى الحاكمة لإضفاء الشرعية على احتكارها السلطة وممارسة الفساد الإداري والمالي وترسيخ نظام المحاصصة الطائفية والحزبية.
هذا الشعور له ما يبرّره، فقانون الانتخابات ليس عادلاً ولا هو بالمُنصِف.. إنه مُصمَّم لكي يزيد من قوة الأقوياء في مجلس النواب ومجالس المحافظات ويحصر السلطة في أيديهم، وهي قوية ليست متأتّية من سجّل حافل بالإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإنما من سيرة مُتخمة بوقائع سرقة المال العام والخاص.
ومما يبرّر هذا الشعور الجمعي السلبي حيال العملية الانتخابية أنّ الحلف الوثيق بين السلطة والفساد تنجم عنه إعادة إنتاج الطبقة الحاكمة الفاسدة عينها. كما يُردّ الشعور بعدم جدوى الانتخابات إلى أنّ مفوضية الانتخابات تأصّلت فيها الصفات غير الحميدة، وفي مقدمها عدم استقلاليتها.
هذا كله في أساس الدعوات المتواصلة، حتى داخل مجلس النواب ومجالس المحافظات، لإعادة هيكلة العملية الانتخابية بتعديل قانون الانتخابات أولاً قبل إجراء أية انتخابات جديدة، وبإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات، أو إنشاء مفوضية جديدة، بإشراف الأُمم المتحدة، تكون صادقة ومهنية ووطنية . .. أي مستقلة تماماً عن كل نفوذ حزبي أو حكومي مباشر أو غير مباشر، إذا ما أُريد للانتخابات أن تُحقِّق غرضها وتبلغ غايتها.
العملية الانتخابية ليست مقصودة لذاتها، كما قطع الديكور، إنما لها وظيفة اجتماعية وسياسية، هي اختيار الأكفأ والأنزه والأصدق والأكثر وطنية، لتمثيل الشعب في المجالس التشريعية.
عجيب وغريب من مفوّضيّة الانتخابات!
[post-views]
نشر في: 19 سبتمبر, 2016: 06:33 م