بعد سقوط النظام السابق ، مرت بنا فترة غاب فيها القانون وكانت الامور تسير (بالقدرة ) –حسب التعبير العراقي - ..في تلك الفترة وخلال زحام مروري ، مرت مركبة عكس السير لتفاقم الزحام في منطقة الصالحية وتضاعف من سخط اصحاب المركبات خاصة ان الشوارع كانت خالية من رجال المرور وكان بعض الشباب ينزلون من مركباتهم ليبادروا بتنظيم السير ..وقتها ترجل صاحب المركبة ليحاول حل الازمة فتبين انه فنان معروف ، وهنا زاد السخط وانطلقت عبارات انتقاد عديدة من افواه السائقين والركاب –على اعتبار ان الفنان يجب ان يكون قدوة لغيره فكيف يقود مركبته عكس السير ولايحاول الاعتذار للناس ..
مؤخراً ، تكرر الموقف ذاته في منطقة الحارثية هذه المرة رغم قيام ملامح دولة ووجود رجال مرور في الشارع فقد مرت مركبة تبعتها مركبات عكس السير وكانت مظللة وتدل على كونها عائدة لمسؤول حكومي تتبعه حمايته ، وحين اعترض ضابط المرور على سلوك اصحاب المركبات التي ظهر انها تعود لنائبة برلمانية حرصا منه على تطبيق النظام ، كان رد الفعل من حمايتها سلبيا ماأدى الى حدوث صدام كلامي ادى الى تدخل مدير المرور العامة بإرساله لواء في المرور لحل الازمة بينما كان على حماية النائبة الاعتذار عن سلوكهم والاستدارة والعودة للسير في الاتجاه الصحيح ..كيف يمكن اذن أن يصبح ساسة العراق قدوة للعراقيين وهم يخالفون ابسط الانظمة ؟...
مؤخرا ايضا ، استقالت وزيرة التعليم الثانوي السويدية عايدة هازليتش بعد ان تم إيقاف مركبتها على حاجز التفتيش واثبت فحص الكحول احتواء دمها على نسبة 2% من الكحول اثناء قيادتها المركبة وهي نسبة قليلة جدا ، لكن ذلك مخالف لنظام المرور في بلدها لذا قدمت استقالتها رغم انها وزيرة جيدة كما شهد لها رئيس الوزراء لكنها رفضت التنازل عن قرارها لتبقى قدوة في نظر شعبها..
وإذا كان ابناء الغرب قد تشربوا بثقافة احترام النظام والقانون، فنحن لم نكن أقل منهم حين كان بعض افراد الحكومة يطمحون الى ان يكونوا قدوة لشعبهم ،ففي عام 1964 ، اصدر رئيس الوزراء العراقي طاهر يحيى أمراً بصرف مبلغ 50 ديناراً نفقات شراء قهوة وشاي لضيوف مكتب رئيس الوزراء وحين وصولها الخزينة المركزية رفضها موظف تدقيق من الدرجة السابعة وكتب على ظهر مستند الصرف انها دائرة حكومية وليست مقهى ومن أراد ان يضيف الآخرين عليه ان ينفق عليهم من جيبه الخاص وليس من اموال خزينة الدولة التي هي ملك الشعب ، بعد يومين أرسل رئيس الوزراء اعتذاراً للموظف وطلب من وزير المالية منحه قدماً لمدة ستة اشهر تقديرا لنزاهته وحرصه على المال العام وتعميم مطالعته على دوائر الدولة ..أتساءل كيف سيكون سلوك أي مسؤول حكومي اليوم لو صادف مواطنا نزيها ؟..هل سيعتذر منه كما فعل طاهر يحيى ليصبح قدوة ، أم كان سيحاسبه او يورطه في الفساد ليتسترعلى سرقته لاموال الشعب ...ربما يكون الاحتمال الاول بعيدا جدا ففي العراق الجديد لايقدم المسؤول استقالته مهما تضرر شعبه بسبب تقصيره في مجال ما ، ولايفكر في الاعتذار له مهما كان سلوكه معيبا ، واذا كان غياب النظام أياما جعل الفنان يعكس قدوة سيئة للناس فسنوات الحرية والديمقراطية ضاعفت من غياب النظام والقانون وجعلت رجال السياسة أسوأ قدوة لشعبهم وأقل مايمكن ان يصدر عنهم من سلوك سيئ هو التجول في الشوارع ..عكس السير!
عكس السير
[post-views]
نشر في: 23 سبتمبر, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 1
عزيز علي العراقي
شكرا للاخت العزيزة عدوية الهلالي على هذا المقال الرائع , وبالذات الاشارة الى الالتفاتة النبيلة للمرحوم طاهر يحيى , والتي لن يفعلها واحد في الالف من حكامنا الحاليين رغم تلقيب المرحوم بالحرامي والحكام الحاليين بالسادة والمؤمنين والاشراف .