لطيف القصابتلعب اللغات دورا كبيرا في التواصل بين الشعوب والمجتمعات، وقد ارتبطت اللغة بشكل عام عضويا بالفكر حتى قيل أن اللغة هي الفكر المكتوب أو المنطوق وان الفكر هو اللغة الصامتة، وبعكس ما يراد له أن يشاع فان الدول لاسيما المتقدمة في الحقول العلمية تولي اشد العناية للغاتها الرسمية وتجتهد كل الاجتهاد في سبيل كسب متحدثين جدد أو حتى متعاطفين لغويا،
وعلى سبيل المثال فان دولة مثل انكلترا آلت على نفسها ومن قبل عدة عقود التخلص من تشددها اللغوي بمعنى المحافظة على طريقة النطق التقليدية للفظة الانكليزية وانفتحت على دراسة اللكنات الأجنبية على أساس كونها لغات انكليزية جديدة حتى أضحى النطق بالانكليزية بلكنة عراقية أو هندية أو مصرية أمرا مألوفا وطبيعيا إلا أن الحال بالنسبة للغة العربية ما يزال متمسكا بالتركة اللغوية القديمة التي ما برحت تنظر بعين ملؤها الإزراء إلى نطق الأجانب للغة العربية.rnوابتداء بما كتبه المبرد والجاحظ وابن جني وانتهاء بمؤلفات المحدثين فان النظرة الفاشية في بحث اللكنة ما تزال تركز على كون اللكنة الأجنبية تدخل في عداد المثالب في النطق من دون اعتبار لجهد الأجنبي في تعلم اللغة العربية وما يلحقه من ضرر نفسي حينما يقابل جهده المضني في تعلم لغة صعبة كالعربية بجحود من لدن الناطقين الأصليين لاسيما في الأوساط الشعبية. فبات من الطبيعي أن يتردد الكثيرون ممن يجيدون اللغة العربية نحوا وصرفا في التحدث بالعربية على الملا تحاشيا لنظرة الاستخفاف وعدم التقدير العربية. وفي ما يلي من سطور سنحاول الخوض في معنى اللكنة ودلالاتها المعجمية والاصطلاحية مستعرضين لأهم الآراء التي قيلت في شان اللكنة قديما وحديثا مع إيراد توصيات وجدناها ضرورية لتصويب المنظور اللغوي العربي تجاه اللكنة ودراستها بمعزل عن وضعها في إطار العيب. اللكنة في اللغة: قال صاحب اللسان: "اللكنة: عجمة في اللسان وعي. يقال: رجل ألكن بين اللكن... والالكن الذي لايقيم العربية من عجمة في لسانه "[1].وفي المعجم الوسيط: " لكن فلان لكنا، ولكنة: عي وثقل لسانه وصعب عليه الافصاح بالعربية لعجمة لسانه فهو الكن، وهي لكناء، وتلاكن في كلامه: ارى من نفسه اللكنة ليضحك الناس " [2].وفي المعجم الوسيط ايضا وتحت مادة (ع ر ب) "...عرِب عَربا فصُح بعد لكنة "[3]. اللكنة في الاصطلاح:- أما اللكنة بحسب الاصطلاح فلم يرد تعريف خاص لها عند القدامى الا انهم كانوا يعبرون عنها بالارتضاخ، يقول المبرد في هذا السياق " وكان صهيب صاحب رسول الله يرتضخ لكنة رومية "[4]. والرضخ في اللغة هو: " الشيء اليسير تسمعه من الخبر من غير ان تستبينه، يقال فلان يرتضخ لكنة عجمية اذا نشأ مع العجم يسيرا ثم صار مع العرب، فهو ينزع الى العجم في الفاظ من الفاظهم لا يستمر لسانه على غيرها ولو اجتهد " [5]. وقد وصف المبرد اللكنة في مورد اخر فقال:-"اللكنة ان تعترض على الكلام اللغة الاعجمية " [6]. الا ان هذا الوصف يكتنفه الغموض لامكانية ان يكون الاعتراض بمعنى دخول اللفظ الاعجمي على اللغة العربية او ما يعرف ب (الدخيل) وهو غير اللكنة. وفي اللكنة اورد الجاحظ ما نصه:- "ويقال في لسانه لكنة، اذا ادخل بعض حروف العجم في حروف العرب، وجذبت لسانه العادة الاولى الى المخرج الاول"[7]. ويقول الجاحظ في موضع اخر: - " وقد يتكلم المغلاق الذي نشأ في سواد الكوفة بالعربية المعروفة ويكون لفظه متخيرا فاخرا ومعناه شريفا كريما،ويعلم مع ذلك السامع لكلامه ومخارج حروفه انه نبطي. وكذلك اذا تكلم الخراساني على هذه الصفة فانك تعرف مع اعرابه وتخير الفاظه في مخرج كلامه انه خراساني "[8]. والجاحظ هنا يفسر اللكنة بكونها عبارة عن ابدال حرف مكان حرف بسب المخرج الاصلي للمتكلم الناطق بالعربية بوصفها لغة ثانية ولكن التعليل كما هو الظاهر مفتقر الى البيان القاطع. الى ذلك فان الجاحظ يضيف على تغيير الحروف في اللفظ الواحد تغيير الحركات فيقول: - " وباب اخر من اللكنة كما قيل للنبطي:- لم ابتعت هذه الاتان؟ قال:- "اركبها وتلد لي " فقد جاء بالمعنى بعينه ولم يبدل الحروف بغيرها ولازاد فيها ولا نقص ولكنه فتح المكسور حين قال تلد لي ولم يقل تلد لي ".[9] والظاهر ان هذا خلط بين اللكنة واللحن فهو غير مختص بالاعجمي دون العربي. واللكنة تعني بمفهوم الجاحظ ايضا تذكير الاعجمي المؤنث والعكس فيقول شارحا هذا المعنى:- " قال بعض الشعراء في ام ولد له يذكر لكنتها:-اكثر ما اسمع منها في السحر تذكيرها الانثى وتأنيث الذكر" [10]. أما ابن يعيش فيشير الى اللكنة من خلال التعرض على بعض مصاديقها فيقول:- " وأما الطاء التي كالتاء، فانها تسمع من عجم اهل العراق كثيرا، نحو قولهم: في طالب، تالب، لان الطاء ليست من لغتهم، فاذا احتاجوا الى النطق بشيء من العربية فيه طاء تكلفوا ما ليس في لغتهم، فضعف لفظهم بها " [11].ومما تقدم نستطي
اللكنة الأجنبية في المنظار اللغوي والثقافي العربي
نشر في: 3 فبراير, 2010: 04:50 م