adnan.h@almadapaper.net
على مدى ثلاثة أيام متتالية استنفرت الأجهزة الأمنية قواها في بغداد واتخذت إجراءات مشدّدة. السبب، كما أُعلِن، توفّر معلومات استخبارية عن مخطط إرهابي لعمليات تستهدف تجمعات سكانية في العاصمة.
أمس وقع المحذور منه، وتحققت صدقية المعلومات الاستخبارية، بيد أنّ الإجراءات الأمنية المشدّدة التي عدّها البعض مبالغاً فيها، لم تبرّر نفسها.
عمليتان انتحاريان بالحزام الناسف في اثنتين من ضواحي العاصمة، هما بغداد الجديدة والبياع، يخلّفان نحو عشرين قتيلاً و50 جريحاً وخسائر مادية لم تحصرها البيانات والتصريحات، فضلاً عن تفجيرين بعبوتين ناسفتين، هي الحصيلة الأمنية ليوم أمس حتى وقت الظهيرة. ماذا يعني هذا؟.. لا معنى لهذا سوى أن الإرهابيين يتفوّقون على الأجهزة الأمنية في عملهم. إنهم يفكّرون بطريقة تمكّنهم من تنفيذ عملياتهم من دون مشقّة، فيما الأجهزة الأمنية تُثقل على نفسها وعلى السكان بإجراءاتها التقليدية. لابدّ أنّ هذا يرجع إلى أنَّ نمط تفكير الأجهزة الأمنية لا يباري نمط التفكير لدى الإرهابيين.الإرهابيون يُكيّفون أنفسهم وتكتيكاتهم مع المستجدّات. تارة بالسيارات المفخخة وأخرى بالأحزمة الناسفة وثالثة بالعبوات الناسفة. الأجهزة الأمنية في المقابل تلتزم تكتيكاً واحداً، سداه ولحمته التضييق على حركة المرور عند نقاط التفتيش من دون أجهزة ومعدّات للكشف عن المتفجرات.
تفجيرات أمس الإرهابية، كما المئات من سابقاتها، أثبتت للمرة الألف أنّ النظام الأمني الذي نتّبعه غير مجدٍ تماماً ،لأنه غير فعّال تماماً. هذه الحقيقة ينبغي أن تدفع بنا إلى التفكير جدِّيّاً في ابتكار أساليب وطرق ووسائل جديدة لمكافحة الإرهاب، فضلاً عن التفعيل على نحو جدّي لنظام مكافحة الفساد الإداري والمالي. فجوة الفساد هي مما يتيح للإرهابيين اختراق نظامنا الأمني بيسر.
يتعيّن على الأجهزة الأمنية والعسكرية إدراك أنَّ الحرب ضد الإرهاب ستكون طويلة الأمد، لن تنتهي بتحرير الموصل وتنظيف العراق من عناصر داعش. لداعش وفلول نظام صدام وسواها من التنظيمات الإرهابية خلايا نائمة ستظلّ تعمل لسنوات عدّة. إلى جانب الإجراءات السياسية المطلوبة، وبالأخص إصلاح النظام السياسي وإلغاء نظام المحاصصة والعمل بجدّيّة لتحقيق المصالحة الوطنية، هناك حاجة لنظام أمني غير تقليدي يجمع بين الوقائية والردع.
كيف يكون هذا النظام؟ .. الجواب عند الاختصاصيين بالطبع، وهو أيضاً متوفر لدى الدول الأخرى، بما فيها جيراننا الذين نجحوا في تحصين أنفسهم بدرجة كبيرة من الإرهاب. بل إنَّ لإقليم كردستان القائم على مرمى حجر من بغداد تجربة ناجحة في الوقاية من الإرهاب وصدّه. لماذا لا ندرس تجاربهم؟ لماذا لا نطلب مساعدتهم في هذا الشأن؟ لماذا تتركنا حكومتنا ودولتنا لمصيرنا مع الإرهابيين، ولا تملكان إلّا التضييق علينا عند نقاط التفتيش فيما الإرهابيون يتسرّبون بسلاسة، من الشوارع الخلفية ربما، إلى الإسواق وسائر التجمعات السكانية ليحوّلوها إلى جحيم؟