TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قصيدة نثر عراقية؟

قصيدة نثر عراقية؟

نشر في: 30 سبتمبر, 2016: 09:01 م

من الصعب الاقتناع بوجود قصيدة نثر عراقية، وأخرى مصرية ولبنانية ومغربية وتونسية،.....الخ. لأسباب عديدة منها: لو اقتنعنا حقاً بوجود شروط ومحدّدات مسبقة تًعيّن الفارق بيت قصيدة النثر عن سواها كالشعر الحر، فإن جميع (كتّاب) قصيدة النثر في مختلف أصقاع الأرض يكتبون عملياً قصيدة واحدة. أو يتوجّب عليهم ذلك، انسجاماً مع نصائح سوزان برنار ومن يتابعها في العالم العربيّ. وفي حقيقة الأمر، ثمة تشابُه في غالبية قصائد النثر المكتوبة اليوم في العراق ومصر ولبنان والمغرب وتونس... الخ. لم يتمّ الأمر محض صدفة، لولا متابعة أمينة (لقواعد عامة) وشروط متفق عليها. بالطبع للخفة والاستسهال الراهن دور في ذلك وهذا ليس شأننا.
أستخدمُ عامدا صيغة (كُتّاب قصيدة النثر)، بسبب تماثُل ملحوظ على الفور، وغياب نص أصليّ إلا نادراً وامتهان فكرة الأصالة – لا نتحدث عن أيديولوجيا الإصالة إنما عن الأصيل الذي لا يُقلِّد-  كأننا إزاء حرفة متقنة الصنع في أفضل الحالات، وأقلّ أتقاناً في حالة الصناعات الشعبية والسياحية، كالخزف. ثمة خزفيات باهرة دون شك في ضجيج السوق. تعتبر الإصالة والأصيل عنصراً للتفريق بين عمل فنيّ لا يمكن قط تكراره، وعمل حرفيّ مصنوع بنسخ عديدة، مهما كانت درجة اتقانه.
وأحسب ان دعاة "قواعد" و"شروط" لقصيدة النثر ورّطوا جيلاً ادبياً في العالم العربي، بحيث أن هذا الجيل نسي التنقيب في داخله، عن إمكانياته وأشكالها الأدبية الممكنة.
السؤال الكبير: كم هو حجم (الإبداع) المعاصر الذي ننسبه نحن العرب لنا، في الشعر ومخيلته واستعاراته، والرواية ونمطها، والصورة ومعالجاتها، بينما هو من الإبداع الأوربيّ الخالص، حجمه كمياً ونوعياً؟ لا بدّ من التوقف أمام الأمر، عند الحديث عن قصيدة نثر محلية مُفترَضة.
بم يختلف العراق عن غيره بشأن (قصيدة النثر)، وفق الأعمال المكتوبة وليس وفق أيديولوجيةِ وفرضية تَميُّزِ الثقافة العراقية؟ لعلّ هذا التمايُز كان صحيحاً قبل ثلاثين عاماً، وليس اليوم. النصوص المكتوبة متماثلة كذلك مع الكتابات في البلدان العربية الأخرى. لدينا اليوم أصوات منفردة متميزة، كما هو الحال في كل زمن وظاهرة (ينطبق الأمر على كل بلد عربيّ منفرداً)، فهل تبيح لنا هذه الأصوات النافرة الحديث عن (قصيدة نثر عراقية)؟ كلا لا تبيح لنا.
وفي هذا السياق، لعل من الضروريّ التذكير أن الثقافة العراقية لم تُراجِع بداهاتها منذ فترة طويلة. القناعة السائدة في (الوسط) بأنه متفوّق ورفيع هي نوع من الاكتفاء الذاتيّ الخطر. نقرأ وسائط التواصل الاجتماعيّ (العينات الحقيقية للثقافة المحلية)، فنرى تصلباً فكرياً ومفاهيم مستعادة، وعدم قبول للنقد الذاتيّ ورفض مراجعة الأطاريح القديمة، ونتيقن من وجود خطاب قَبَلِيّ وأخوانيّ، واستنكاراً مضمراً للاختلاف، ودعوة المارق عن المُتعارَف عليه، إلى العودة عن ضلالته والمشي على هدي الجماعة. قصيدة النثر العراقية في قلب ذلك، بطريقة معقدة مركّبة.
هناك شعر أو لا شعر أيّاً كان الشكل الذي يتخذه، وهذا هو الجوهريّ.
كلمة بمثابة هامش لهذه الكلمة: شهدت أوائل كتابات ما سمي بالشعر الحرّ التشابُه نفسه، والظاهرة ذاتها، مع فارق أن الصرامة كانت شرطاً، والخشية من التكرار كانت واعية. علينا قراءة ما يذكره لسان العرب: "والحُرّ هو كلّ شيء فاخر من شِعْر أو غيره"، فهل استخدم روّاد (الشعر الحُرّ) العربيّ كلمة (حُرّ) بمعنى اصطلاحي مُفارِق للاستخدام العربي؟ وهل كانوا يقصدون (الشعر المُتحرّر) وهو (المُحَرَّر) قاموسياً؟  كتب صديق تعليقاً على استشهادي بلسان العرب، أنه يتذكر قول العراقيين (الدهن الحُرّ)، أضفْ قولهم في تونس (عسل حُرّ). قد تجعلنا المقاربة نبتسم، لكنها لا تُجانب الصواب. الحرّ تعني في اللسان والاستخدام الشعبيّ الأصيلَ والأصليَّ، ولم يكن ما يُكتب كله من السمن الحُرّ، مثل عسل نثرنا الراهن تماماً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram