اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حين تَختَبرُ الجمال بنفسك

حين تَختَبرُ الجمال بنفسك

نشر في: 30 سبتمبر, 2016: 09:01 م

عندما تختلط المفاهيم في اذهان الكثيرين وتتداخل التفاصيل مع بعضها وتطرح المعلومات بشكل اعتباطي وبدون دراية، فذلك يؤدي -ان صح التعبير- الى ما يشبه التسمم الثقافي او الفني. فالامر لا يختلف كثيراً بين شخص يتناول قطعة جبن متروكة على الطاولة ومصابة بالعفن دون معاينتها او التأكد من سلامتها وبين الترويج لأفكار ملفقة او كتابة معلومات غير صحيحة وتفاصيل غير موجودة. فهذا تسمم وذلك تسمم إيضاً، ولا تنفع مع الحالتين سوى المعالجة والتصويب وتشخيص الأسباب التي أدت وتؤدي الى ذلك. فكثرة وسهولة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي أدت الى اختلاط الحابل بالنابل، وأصبحت هذه المواقع ساحة مفتوحة لمن يريد ان يُظهر مواهبه العظيمة وعبقريته في الكتابة، وهنا اقصد الكتابة عن الفن التشكيلي وتاريخه ومدارسه وما يحيط به من تفاصيل . فلا عجب ان نرى إنَّ بيكاسو قد اصبح بقدرة قادر  فناناً سريالياً! أو نقرأ ان فان غوخ ينتمي الى المدرسة التعبيرية، وهو في الحقيقة فنان مابعد انطباعي والتعبيرية ظهرت بعده بسنوات طويلة. والبعض يتمادى باستعراض معلوماته في تاريخ الفن ويكتب بمرارة حول كيفية إهداء فان غوخ اذنه لحبيبته بعد ان قطعها بموس الحلاقة. وما حصل هو ان هذا الفنان قد قام بقطع أذنه بسبب نوبة من نوبات المرض التي كان يمرُّ بها، حيث امتلأت ارضية المرسم بالدم، ونقل بسرعة الى المستشفى للعلاج. وهناك من يكتب بأن ريمبرانت هو اعظم رسّام واقعي، وهو في الحقيقة ينتمي الى عصر الباروك في القرن السابع عشر، وتسمية (المدرسة الواقعية) لم تظهر إلا بعد مئتي سنة من ذلك! وبالتحديد سنة ١٨٥٥ حين صاح غوستاف كوربيه ( سوف أتوقف عن رسم الملائكة، فأنا لم أرَ ملاكاً في حياتي) وقد أعتبر النقاد ومؤرخو الفن ان لوحتيه (عمال يقطعون حجارة الطريق) و( في مرسم الفنان) كانتا ايذاناً بظهور هذه المدرسة الفنية التي تركت الملامح والمناخات الكلاسيكية واهتمت بتفاصيل الواقع.
في احدى المرات استغربت كثيراً حين حدثني احد الشباب بشكل درامي عن معاناة موديلياني امام بيكاسو المتجبر الذي كان يشعر بغيرة كبيرة منه ومن أعماله وحاربه كثيراً لأن موديلياني (حسب رأيه) كان يرسم أفضل منه. فقلت له (انت تتحدث عن الممثل أندي غارسيا الذي مثل فيلماً عن حياة هذا الفنان، ولا تتحدث عن موديلياني نفسه!). ولا ادري ان كان يعرف بان صناعة الفيلم تتطلب في الغالب تغيير بعض التفاصيل وتحوير بعض احداث الواقع حسب رؤية المخرج. لا احد يشك بعبقرية موديلياني، لكن هذا الشاب الذي كان يحدثني لا يعرف ان بيكاسو هو اعظم فنان على مرِّ العصور، حيث اثَّرَ على آلاف من الفنانين الكبار في العالم.
اصبح النشر متاحاً للجميع، والكثيرون يريدون النشر دون مراجعة ماينشرون او التأكد من صحته مع الأسف. العملية ببساطة متناهية هي ان كنت تريد الكتابة عن الفن التشكيلي مثلاً فعليك بمعرفة الكثير مما يحيط بهذا الفن المتشعب وهذا التاريخ الطويل من الجمال، ان تعرف الاختلاف بين الركوكو والكلاسيكية الجديدة، او الفرق بين مابعد الانطباعية وماقبل الروفائيلية، لا ان تتحدث عن بيكاسو من خلال لوحاته التي تراها في الكتب بل خلال زيارة متاحفه في باريس او برشلونة او ملقا. كيف تكتب عن قوة اعمال جياكوميتي بدون الشعور بعظمتها وهيمنة حجمها وانت تقف الى جوارها في متحف روما او متحف كرولر مولر، علي سبيل المثال؟ وهكذا مع كل الفنانين والاعمال الفنية والتفاصيل المتعلقة بها. كم هو مدهش ان تطرح افكارك ورؤيتك حول ما تشاهده وتشعر به ويؤثر على روحك وذائقتك، فالجمال في النهاية هو ان تختبر الجمال بنفسك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram