TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حرب "الكرينات"

حرب "الكرينات"

نشر في: 5 أكتوبر, 2016: 09:01 م

الجدران الكونكريتية المنتشرة في معظم شوارع العاصمة بغداد ، تحول جزء منها الى واجهات لعرض الاعلانات التجارية ، مقابل دفع مبالغ  الى جهة  تبنت نظرية " التخفيف من القبح وتحويله الى  جمال " فضربت عصفورين بحجر واحد ، الحصول على موارد مالية  من خلال الترويج  لبضاعات مستوردة ،  وزرع الامل في نفوس البغداديين بأن ما يزعجهم من  المظاهر الأمنية بالامكان تحويله الى مناظر خلابة تسر الناظرين.
الكتابة على  الجدران في بغداد مشاعة للجميع ، ليست هناك ضوابط او اجراءات رسمية تمنع من يكتب عبارات مبتذلة تخدش الحياء:  البول للحمير ، كلب ابن كلب من يرمي الزبالة ، ممنوع رمي قناني الخمر ، تنتشر في كل مكان ، وغالبا ما يتبرع اشخاص بازالة تلك العبارات او طلائها بلون آخر احتراما للذوق العام ، لكنها تبدو منقوشة على الحجر عصية على الاختفاء لتشير الى واقع مبتذل، يكشف في اقل تقدير التخلي عن احترام الشارع بوصفه مكانا عاما ، تقع على الجميع مسؤولية المحافظة عليه .
 قبل عشرات السنين كانت  جدران الأزقة  في بغداد  خير مكان لكتابة شعار تنظيم سياسي معارض للسلطة ، يكتب مساء لينتشر بين الاهالي مع ساعات الصباح الاولى ، فتتحرك الأجهزة الامنية فورا بإزالة الشعار المكتوب ، ثم تقوم بحملة اعتقال ،  غالبا ما تطول الابرياء فيما يكون كاتب الشعار حرا طليقا ، يبحث عن زقاق لكتابة شعار حزبه ، من طرائف ذلك الزمان ان رجال الامن اعتقلوا شخصا يدعى (ابو وهيب) بتهمة  كتابة شعار ضد السلطة ، قال الرجل اثناء التحقيق بعد تعرضه لتعذيب جسدي،  انه امي لايجيد القراءة والكتابة ، لكن الادعاء يحتاج الى دليل ، فامر الضابط المحقق باستدعاء  بعض  رجال المحلة ، استطاعوا ان ينقذوا ابا وهيب من  تهمة معارضة السلطة ، وذكروا انه لم يحمل القلم طوال حياته باستثناء تسجيل نقاط الازنيف بلعبة
الدومنة  .
جدران بغداد لم تعد اليوم صالحة لعرض الشعارات السياسية ، فالنظام الديمقراطي  كما يقال، وفر حرية التعبير ، امتلكت الاحزاب وسائل اعلام من فضائيات وصحف ووكالات انباء ، لم تعد بحاجة الى جدار صقيل لكتبة شعار ضد الحكومة. اصحاب "الكرينات " هم الفئة الاكثر  استخداما اليوم للجدران الكونكريتية،  كتبوا ارقام هواتفهم  لتقديم خدماتهم لأصحاب السيارات العاطلة في اي وقت ، لكن مايثير الاستغراب تعرض ارقام الهواتف الى تشويه مقصود باضافة رقم او الغاء اخر ، يبدو ان اصحاب "الكرينات" نقلوا  الصراع السياسي الى الجدران ، صاحب السيارة العاطلة يواجة صعوبة في  تامين الاتصال مع احدهم ، فجميع الارقام  غير صحيحة .
- الو خالي،  صاحب الكرين ؟
- احترم نفسك هذا مكتب الشيخ ابو سجاد ، مع شتيمة من العيار الثقيل تنتهي باغلاق الهاتف  ليجرب صاحب السيارة العاطلة المحاولة مع رقم آخر ، ويده على قلبه من احتمال سماع شتيمة ثانية .
اصحاب الكرينات  يعيشون في اجواء صراع ،  ربما يكون انتقل اليهم من تصريحات  تكشف عن عمق الخلاف السياسي حول العديد من القضايا الشائكة ذات الفولتية العالية .       

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram