الجدران الكونكريتية المنتشرة في معظم شوارع العاصمة بغداد ، تحول جزء منها الى واجهات لعرض الاعلانات التجارية ، مقابل دفع مبالغ الى جهة تبنت نظرية " التخفيف من القبح وتحويله الى جمال " فضربت عصفورين بحجر واحد ، الحصول على موارد مالية من خلال الترويج لبضاعات مستوردة ، وزرع الامل في نفوس البغداديين بأن ما يزعجهم من المظاهر الأمنية بالامكان تحويله الى مناظر خلابة تسر الناظرين.
الكتابة على الجدران في بغداد مشاعة للجميع ، ليست هناك ضوابط او اجراءات رسمية تمنع من يكتب عبارات مبتذلة تخدش الحياء: البول للحمير ، كلب ابن كلب من يرمي الزبالة ، ممنوع رمي قناني الخمر ، تنتشر في كل مكان ، وغالبا ما يتبرع اشخاص بازالة تلك العبارات او طلائها بلون آخر احتراما للذوق العام ، لكنها تبدو منقوشة على الحجر عصية على الاختفاء لتشير الى واقع مبتذل، يكشف في اقل تقدير التخلي عن احترام الشارع بوصفه مكانا عاما ، تقع على الجميع مسؤولية المحافظة عليه .
قبل عشرات السنين كانت جدران الأزقة في بغداد خير مكان لكتابة شعار تنظيم سياسي معارض للسلطة ، يكتب مساء لينتشر بين الاهالي مع ساعات الصباح الاولى ، فتتحرك الأجهزة الامنية فورا بإزالة الشعار المكتوب ، ثم تقوم بحملة اعتقال ، غالبا ما تطول الابرياء فيما يكون كاتب الشعار حرا طليقا ، يبحث عن زقاق لكتابة شعار حزبه ، من طرائف ذلك الزمان ان رجال الامن اعتقلوا شخصا يدعى (ابو وهيب) بتهمة كتابة شعار ضد السلطة ، قال الرجل اثناء التحقيق بعد تعرضه لتعذيب جسدي، انه امي لايجيد القراءة والكتابة ، لكن الادعاء يحتاج الى دليل ، فامر الضابط المحقق باستدعاء بعض رجال المحلة ، استطاعوا ان ينقذوا ابا وهيب من تهمة معارضة السلطة ، وذكروا انه لم يحمل القلم طوال حياته باستثناء تسجيل نقاط الازنيف بلعبة
الدومنة .
جدران بغداد لم تعد اليوم صالحة لعرض الشعارات السياسية ، فالنظام الديمقراطي كما يقال، وفر حرية التعبير ، امتلكت الاحزاب وسائل اعلام من فضائيات وصحف ووكالات انباء ، لم تعد بحاجة الى جدار صقيل لكتبة شعار ضد الحكومة. اصحاب "الكرينات " هم الفئة الاكثر استخداما اليوم للجدران الكونكريتية، كتبوا ارقام هواتفهم لتقديم خدماتهم لأصحاب السيارات العاطلة في اي وقت ، لكن مايثير الاستغراب تعرض ارقام الهواتف الى تشويه مقصود باضافة رقم او الغاء اخر ، يبدو ان اصحاب "الكرينات" نقلوا الصراع السياسي الى الجدران ، صاحب السيارة العاطلة يواجة صعوبة في تامين الاتصال مع احدهم ، فجميع الارقام غير صحيحة .
- الو خالي، صاحب الكرين ؟
- احترم نفسك هذا مكتب الشيخ ابو سجاد ، مع شتيمة من العيار الثقيل تنتهي باغلاق الهاتف ليجرب صاحب السيارة العاطلة المحاولة مع رقم آخر ، ويده على قلبه من احتمال سماع شتيمة ثانية .
اصحاب الكرينات يعيشون في اجواء صراع ، ربما يكون انتقل اليهم من تصريحات تكشف عن عمق الخلاف السياسي حول العديد من القضايا الشائكة ذات الفولتية العالية .
حرب "الكرينات"
[post-views]
نشر في: 5 أكتوبر, 2016: 09:01 م