adnan.h@almadapaper.net
"حدّثني جماعة من شيوخ بغداد:
إنه كان بها في طَرَفيْ الجسر سائلان أعميان، يتوسّل أحدهما بأمير المؤمنين عليّ عليه السلام، والآخر بمعاوية، ويتعصّب لهما الناس، وتجيئهما القطع [النقدية] دارَّةً.
فإذا انصرفا جميعاً، اقتسما القطع، وإنهما كانا شريكين، يحتالان بذلك على الناس".
رواه فارس بن حرّام، الشاعر النجفي، في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي " فيسبوك" في اليوم السادس من تشرين الأول للعام 2016 الميلادي، عن كتاب (نشوار المحاضرة للقاضي التنوخيّ، الجزء الثاني - ص٣٥٨).
لم يذكر ابن حرّام في روايته الغاية والغرض منها، لكنّه لابدّ يعوّل على أنّ اللبيب من الإشارة يفهم.
والقاضي التنوخي، لمن لا يعرفه، مولود في البصرة التي أمضي قسماً من حياته فيها قبل أن يقضي القسم الآخر في عاصمة الدنيا يومذاك، القرن الرابع للهجرة العاشر للميلاد، بغداد.
التاريخ ، بحسب ماركس، يكرر نفسه مرة كمأساة وأخرى كمهزلة ، وتاريخ بغداد يكرر نفسه منذ ثلاث عشرة سنة على نحو فريد من نوعه .. إنه يجمع بين المأساة والمهزلة.
يمكننا الآن أن نستعيد بكلّ رياحة اللقطة التي اقتنصها القاضي التنوخي عند جسر بغداد منذ أكثر من ألف سنة.. ففريق أحزاب الاسلام السياسي الشيعي وفريق أحزاب الاسلام السياسي السنّي يرابطان في طرفي الجسر السياسي البغدادي .. ولكن بخلاف السائلينِ الأعميين في زمن التنوخي، يتقاتل فريقا الإسلام السياسي المتحكّمين بجسور بغداد وطرقاتها ودرابين أحيائها وضواحيها، بكلّ أنواع السلاح التي يموت بها عوام الشيعة وعوام السنّة، وفي نهاية النهار يجتمع الفريقان ليقتسما المال والسلطة والنفوذ التي تقاتلا عليها وقُتلا في سبيلها عوام الشيعة وعوام السنّة ... أليس هذا ما يجري في بغداد وسائر مناطق العراق للسنة الرابعة عشرة على التوالي؟
الفرق بين بغداد في عهد القاضي التنوخي وفي عهدنا الراهن،أنّ عاصمتنا كانت في أزهى عصورها، فيما هي اليوم في عهد لا يعرف للزهو معنى ومبنى .. والفرق أيضاً ان الفريقين الماسكين بطرفي الجسر السياسي هذه الايام ليسا أعميين .. إنّ لهما عيوناً بسعة رقعة العراق مفتوحة على الآخر في الليل والنهار .. إنهما لا يكلّان ولا يملّان من السلب والنهب للمال العام والخاص، وقد أصابا خزائن الخليج ولبنان وأوروبا بالتخمة، فيما نصف العراقيين لا يجد ما يسدّ الرمق بكرامة.
جميع التعليقات 4
بغداد
استاذ عدنان حسين المثل الذي ضربته اليوم في مقالك مضبوط وفعلاً امام شاشات التلفاز يتناطحون ويسبون بعظهم البعض ويرمون الأحذية على بعضهم البعض والقناني الفارغة حتى وصلت للعض والكفش كما فعلن السنيورات الناهبات الذين نهبوا الكومشنات وتقاسموا الكعكة من امثال ال
ناظر لطيف
شكرا لك على المقال الذي يصف الحال وهناك فرق اخر ان الأعميين كانا يأخذان المال عن رضى وان كان احتيالا اما أصحابنا اليوم فيأخذون المال عنوة سلبا وقتلا فيا للعراق.
فؤاد البغدادي
أصبت كبد الحقيفة !
خليلو...
يقول هيگل :إن جميع الأحداث والشخصيات في تاريخ العالم تظهر مرتين . وعلق ماركس قائلا : نسي هيگل أن يقول المرة الأولى كمأساة والثانية كمسخرة . إنتهى وقد أثبت انت ، يا أستاذ ، صدق المقولة على حاضرنا كما أثبته ماركس بمقارناته بين نموذج المأساة ونموذج المسخرة