ali.H@almadapaper.net
" قبل أن تذهب إلى طبيب لمعالجة مشكلة عدم الانجاب ، حاول أن تنذر أضحية ، وستجد أنك بعد تسعة أشهر ستُرزق بطفل عيونه خضراء ، تختلف عن لون عيونك وعيون أُمه " قالها الشيخ في خطبته ، وهو يحاول إقناع من يستمعون له أنّ النذور يمكن أن تُغني عن زيارة الطبيب ، باعتبار أنّ الشفاء أولاً وأخيراً قضية تخص الشيخ لوحده . وكان الشيخ نفسه قد ذهب قبل أشهر معدودات إلى بيروت للاستجمام ، ولعرض نفسه على عدد من الأخصائيين حيث يعاني من ضيق في التنفس.
في كل يوم نشاهد العشرات من الشيوخ يتحدثون في صورة قاطعة، حاسمة، مؤكِّدة، في مصائر الناس، فمنهم من حاول أن يستأجر معمماً آخر ليقول إنه رأى بالمنام أحد الأئمة الصالحين يوصيه ، بأن يذهب إلى الشيخ فلان ، ويخبره بأنه سيداوي آلام جميع أبناء الأُمة الإسلامية ، فما كان من الشيخ " صاحب الكرامات " إلا أن وضع المنديل على عينيه وأخذه في نوبة بكاء مصطنع ، وأنا أرى هذا المشهد على إحدى الفضائيات العراقية ، تذكرت مقطعاً شهيراً نشر للرئيس المصري السابق محمد مرسي ، حين أصر على استغلال سلاح العاطفة الدينية ، الذي ظلّ الإخوان المسلمون في مصر حال إخوانهم في العراق سنين طويلة يضحكون به على البسطاء. ففي الفديو الذي انتشر في زمن مرسي نجد أحد قياديي الإخوان يقصّ له وهو يزوره في القصر الجمهوري رؤيا عن مجلس يجلس فيه النبي " ص " مع عدد من الناس بينهم محمد مرسي، وعندما جاء وقت الصلاة قدّم الحاضرون الرسول لكي يصلّي فيهم ، فقال الرسول: بل يصلّي بكم الرئيس محمد مرسي، وبعد أن قال القيادي الإخواني هذه الرؤيا الخزعبلية هلّل الحاضرون وكبّروا!
مَن المسؤول عن بثّ هذه الخرافات، الشيخ ، أم ذلك الإنسان البسيط الذي قرّر أن يبني جزءاً من حياته على جواب " خرافي " ؟ لسنا "الشعب الوحيد" الذي يعيش في عصر شيوخ الخرافة ، لكننا الشعب الذي يعيش في قلق توتُّرهم واستخفافهم بعقول الناس .
كنتُ قبل سنوات قد قرأت كتاباً بعنوان " رحلتي من الشك إلى الإيمان " للمصري مصطفى محمود ، حيث يذكر فيه أن أحد أئمة الجوامع وصف له أيام كان صبياً وصفة للقضاء على الصراصير والحشرات في منازلهم ، ملأها مزيجاً من الادعية والطلاسم، ثم قال له: الصق هذه الورقة على الحائط وسوف تكتشف أن الصراصير سوف تموت موتاً شنيعاً!
لكنّ الصبي مصطفى محمود، الذي آمن بالتجربة ، خاب ظنه وانهار مقام الشيخ عنده بمجرد أن أخضع طريقته للاختبار، فقد تزايدت الصراصير وأصبحت أضعاف ما كانت قبل طريقة الشيخ، حسب قول مصطفى محمود في كتابه !
والحقيقة أن شيوخ " المعجزات " اليوم لن يكونوا استثناءً ، وتأثيرهم ممتد حتى هذه اللحظة بملايين التابعين لأفكارهم، التي تبعد الناس عن القضايا الحقيقية التي جاء من أجلها الاسلام ، واعني بها قضية العدالة الاجتماعية وحب الخير واعلاء قيمة العمل .
جميع التعليقات 1
ناظر لطيف
شكرا لك سيدي مقال رائع، لقد سقط حزب مرسي في مصر ولم يدم أكثر من سنتين لكن عجبي اليوم كل يوم تنهار التجربة عندنا، لكن ظلوا الشيوخ والمعممين الدجالين هم من يتصدر المشهد في بلادنا فما السبب؟.