adnan.h@almadapaper.net
النفط ثروة مهولة، لكنْ ناضبة، بعد خمسين سنة أو مئة على أبعد التقديرات. إذا لم تنضب تماماً فإن قيمتها متدنّية وكلفتها متفاقمة بمرور السنين مع ظهور البدائل الأقل تكلفةً والأنظف بيئياً، كطاقة الريح وطاقة الشمس، ولا ندري ما الذي يخبّئه المستقبل من طاقات وبدائل للطاقة لا تخطر في بال الآن.
في المقابل ثمة ثروات لا تنضب أبدا.. منذ عشرات آلاف السنين كانت الزراعة الثروة الوحيدة للعراقيين ولسواهم. بعوائدها بنى العراقيون، كما غيرهم، حضارات عظيمة. في نصف القرن الأخير تردّت أحوال الزراعة مع زيادة إنتاج النفط والارتفاع المتواصل في أسعاره. سوء حظنا هو ما جعلنا نولد ونحيا في بلد نفطي لندمّر ثروتنا التقليدية شرّ تدمير. والآن فإننا نستورد كلّ ما نأكل تقريباً.. حتى الرز التالف نستورده ويريد مسؤولو دولتنا لنا أن نأكله بشهيّة غير متناهية ونقول لهم شكراً ،لأنهم استوردوا لنا رزّاً تالفاً بسبب حشرة يقول هؤلاء المسؤولون إنها مفيدة للصحة!!.. ربّما الأمر فوق مستوى إدراكنا المتواضع ، فقد تكون هذه الحشرة مما يعالج أمراض السرطان وفقر الدم وسواهما مما يبتلي بها العراقيون الآن!
السياحة صارت اليوم مصدراً لثروة مهولة للدول التي تفيها حقّها وتقدّر قيمتها التي تتجاوز عوائدها المالية الوفيرة إلى المكانة المعنوية التي تحظى بها البلدان السياحية في نفوس الناس من كل الأُمم والشعوب والقارّات.
نحن بلد يمكن له أن يتحصّل على عوائد ماليّة من السياحة وحدها توازي عوائد النفط، وقد تفوقها في أزمان انهيار الأسعار كالزمن الراهن.
مصر من البلدان التي تعيش على السياحة. ويتفنن المصريون في مبادراتهم لترقية الخدمات السياحية واجتذاب المزيد من السيّاح الأجانب والمواطنين. آخر هذه المبادرات مشروع ينفّذه الجهاز القومي للتنسيق الحضاري لتوثيق المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميّز التي أهمّها مباني القاهرة الخديوية. فريق من الجهاز قام بتركيب لافتات التوثيق على بعض هذه المباني ، متضمّنة معلومات تشمل سنة البناء والطراز المعماري لكل مبنى واسم المهندس المعماري الذي صمم خريطة المبنى وأشرف على بنائه. والأكثر أهميّة أنّ لافتات التوثيق تتضمن معلومة تحت عنوان " عاش هنا" . بموجب هذا المشروع سيتعرّف سكّان القاهرة وزوّارها على الشخصيات الأدبية والفنية والعلمية والسياسية والاجتماعية المرموقة التي سكنت في هذه المباني في مختلف الأحقاب التاريخية. سيتعرّفون على المباني التي سكنها على سبيل المثال أحمد شوقي وسعد زغلول ونجيب محفوظ وأُم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وسواهم.
مشروع كهذا تستحقّه عاصمتنا بغداد التي كانت على الدوام مقرّاً ومستقرّاً لشخصيات تاريخية فذّة في مختلف الحقول والميادين.
أعرف أنَّ للنظافة أولوية في بغداد المتحوّلة إلى مكبٍّ للنفايات، وأعرف أنَّ لشبكات الكهرباء والصرف الصحي والماء والتعليم والصحة أولوية مماثلة، لكنَّ تاريخ عاصمتنا وشخصيّاتها يتعيّن أن تكون بين الأولويات، فهذا التاريخ مهدَّد بالاندثار على طريقة اندثار بيت ساسون حسقيل.