TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > دير بالك علينه !

دير بالك علينه !

نشر في: 10 أكتوبر, 2016: 09:01 م

في لفتة انسانية ، قررت محطة سكك حديد في اليابان تشغيل احدى محطات القطار من اجل فتاة واحدة فقط ، فبعد ان قررت هيئة السكك الحديد انتهاء تشغيل المحطة واغلاقها نهائيا بسبب ندرة السكان ، اكتشفت ان هناك طالبة واحدة تدرس بالثانوية العامة وتسافر يوميا الى مدرستها عبر هذه المحطة ، وهنا قررت الحكومة اليابانية اعادة تشغيل المحطة من أجل هذه الفتاة على ان يتم اغلاقها فور انتهاء دراستها ووفق خطاب يصل منها يؤكد بانها لاتريد ان تستقل القطار !!

يحدث هذا في اليابان ، اما مايحدث في العراق فقد دلت احصائيات على ان عدد المدارس الطينية فيه يربو على 1000 مدرسة وان آلاف الطلبة مازالوا يدرسون في ظروف صعبة خلال موسمي الحر والبرد ، اما حين يهطل المطر فالدراسة تصبح مستحيلة في مدارسهم الآيلة الى السقوط ....

أحد الاكاديميين العراقيين من الذين يقطنون في الخارج وهو رئيس منظمة انسانية ايضا حاول ان يمد يد المساعدة الى ابناء وطنه من خلال تاهيل المدارس الطينية ، وهكذا شحذ الهمم للحصول على المساعدات المالية الكافية عبر استجدائها – حسب تعبيره – من مؤسسات انسانية ومن مستشار الاتحاد الاوروبي ومنظمة الطفولة العالمية لدعم الطلبة المتضررين من الحروب ، وتمكن من الحصول على تمويل لمشروعه او حلمه يكفي لتمويل عشر مدارس طينية بكلفة 8ملايين و500 الف دولار أي ان كلفة المدرسة الواحدة تبلغ 850 الف دولار يتم تقديمها مجانا اذ يتم شراء المدارس ونقلها ونصبها دون ان تدفع الحكومة فلسا واحدا ..لذا عاد الى العراق فرحا ليتصل بالمسؤولين لتسهيل مهمته ، وهنا كانت بداية النهاية لمشروعه الانساني ، فبعد اكثر من شهر قضاه في محاولة الاتصال بمكتب رئيس الوزراء طالبا المساعدة لتوزيع مهام العمل ودون ان يكلف الحكومة أية مساعدة مادية ،لم ينل أي تجاوب ولم يقابل رئيس الوزراء او أي أحد من طرفه ..

ويقول الاكاديمي انه طرق ابواب محافظي بعض المحافظات عسى ان يصل الى مطلبه بمساعدتهم ، لكنه فوجئ بسماع عبارة واحدة "دير بالك علينه " من افواه بعضهم مباشرة ومن لم يجرؤ منهم على قولها فقد ارسل مدير مكتبه ليقولها بالنيابة عنه !!

وهكذا ، شعر الاكاديمي بالحيرة بين أن يترك التمويل او يضعه بين ايدي من ينظر الى المال قبل مصلحة الأطفال ..لذا غادر العراق عائدا الى اوروبا وهو يتساءل بمرارة عن كيفية اقناع الفاسدين في الحكومة بأن المشروع يمثل خدمة للطفل العراقي ..

ذات يوم ، قال الشاعر محمود درويش : "بالأمس كنا نفتقد الحرية ، واليوم نفتقد المحبة ..انا خائف من الغد لأننا سنفتقد الانسانية"..هل حل هذا الغد اذن ؟..لابد اننا نعيشه حاليا بعد ان اكتشفنا اننا لم ننل الحرية ومازلنا اسرى تخلفنا ، وافتقدنا المحبة منذ ان استسهل بعضنا بيع ذمته وقتل الآخر بدم بارد ، لم يبق اذن الا الانسانية وها نحن نفقدها ببساطة حين نحرم طفلا عراقيا من الحصول على اماكن صالحة للدراسة ..

اعتقد انني ظلمت اليابانيين هنا حين قارنت بين حكومتهم التي تخصص محطة قطار لتكمل فتاة واحدة دراستها وبين حكومتنا التي تدير ظهرها لمن يقدم مشروعا يخدم الطالب العراقي او يمد له المسؤولون يدهم مقابل ان (يدير باله عليهم(..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram