بغداد/ المدىوالواضح من حيثيات هذه الجرائم أن ثلاثاً منها على الأقل يمكن تصنيفها على أنها جرائم بسبب خلافات الزوج مع زوجته وعلى مسائل بسيطة جدا او نتيجة خلافات بين زوجين أو طليقين ، كذلك تُشير البيانات إلى أن انتحار الإناث في تزايد
بغداد/ المدى
والواضح من حيثيات هذه الجرائم أن ثلاثاً منها على الأقل يمكن تصنيفها على أنها جرائم بسبب خلافات الزوج مع زوجته وعلى مسائل بسيطة جدا او نتيجة خلافات بين زوجين أو طليقين ، كذلك تُشير البيانات إلى أن انتحار الإناث في تزايد وهي ظاهرة غير مألوفة في مجتمعنا وهناك احتمال كبير أن تكون ، على الأقل بعض حالات الانتحار في جرائم بـ" داعي الشرف " وقد أُجبرت النساء على الانتحار من قِبَل ذويهن في بعض مدن إقليم كردستان حتى يتجنب الفاعل التبعات القانونية المترتبة على قتلها .
ويجب أن لا ننظر لهذه الجرائم بمعزل عن تنامي العنف ضد المرأة بشكل عام وعن تراجع وضع المرأة الاقتصادي والاجتماعي. والعنف ضد المرأة ناتج، بشكل أساسي، عن محاولة الرجال والأسر السيطرة على سلوك المرأة، وفي حالة فشل ذلك يتم اللجوء للعنف لعقابها أولاً، ولمحاولة إخضاعها لمعايير الأسرة ورغباتها ثانياً. إذاً، العنف لا ينتج عن الجهل وغياب الوعي بحقوق المرأة فقط، وإنما أيضاً لأسباب اجتماعية لدى فئات المجتمع كافة .
وقتل النساء لا يشكل سوى قمة جبل الجليد بالنسبة للعنف ضد المرأة ، إذ تُشير الدراسات الاجتماعية إلى أن أكثر من ثلث النساء المتزوجات يتعرضن لشكل من أشكال العنف الجسدي من قبل أزواجهن في الغالب، ولكن من قِبَل أحد أفراد العائلة أيضاً .
بشكل عام ، فإن حالات العنف التي شهدها العراق في السنوات الماضية أثّرت سلباً على واقع المرأة ومكانتها في المجتمع وبخاصة مع تنامي التطرف الذي جاء بنسخة محافظة جداً من القيم الاجتماعية والتي امتزجت، بشكل أو بآخر مع المحافظة الاجتماعية، لتشكل سداً منيعاً أمام كل محاولات تمكين النساء، سواء كان ذلك على المستوى الاقتصادي أم الاجتماعي أم معالجة القصور في التشريعات، ولاسيما تلك المرتبطة بجرائم ترتكب بـ"داعي الشرف"، وهي في الواقع سلوكيات جرمية.
الثغرات الموجودة في القانون تُمكن الجُناة وأسرهم من الحصول على الحد الأدنى من العقوبة. وعليه، فإن كلفة قتل المرأة على الجُناة تصبح متدنية؛ أو بعبارة أخرى؛ فإن عدم تشديد العقوبة على مُرتكب تلك الجرائم أو العقوبات غير الفاعلة، يعملان على خفض الكلفة التي يدفعها مرتكبو تلك الجرائم. كذلك، حينما تتنازل أسرة الضحية التي هي أسرة الجاني أيضاً، عن حقها الشخصي في التقاضي، فإن ذلك من شأنه تمكين المحاكم من تخفيف العقوبات لتصل إلى النصف، استناداً إلى الظروف المخففة المنصوص عليها في المواد القانونية من قانون العقوبات العراقي .
لا يمكن مناقشة العنف ضد المرأة من دون الأخذ بعين الاعتبار تراجع مكانة المرأة الاقتصادية في السنوات الماضية، وشبه غيابها عن مواقع صنع القرار بشكل عام؛ إذ إن مشاركة المرأة الاقتصادية بالعراق متدنية جداً، وهي في تراجع نتيجة الظروف الاقتصادية، وتعدّ من أدنى النسب عربياً وعالمياً. إن عدم تمكين النساء اقتصادياً يمكن أن يشكل الخلفية التي تقع بها تلك الجرائم.
وهناك ثلاثة عوامل متداخلة تجعل المرأة الحلقة الأضعف في العلاقات الأسرية والمجتمعية ، وهي : استمرار النظام الأبوي بالهيمنة على الحياة الاجتماعية والأسرية والتساهل الموجود في القانون المرتبط بالعنف الأسري والقدرة على استغلال هذه الثغرات القانونية من قِبَل المواطنين؛ وأخيراً ، تراجع دور المرأة بشكل عام ، والاقتصادي بشكل خاص، ما يجعل منها في نظر كثير من الأسر عبئاً اقتصادياً .